حين تتحكم التفاهة في العالم
عبد الرحيم اليوسفي
يرى أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندي “آلان دونو” Alain Deneault أن العالم غدا تحت هيمنة نظام جديد قذر ومحتال ،مسخ القيم وعلَّب الانسان واستعبده، أطلق عليه نظام الميديوقراطية (la médiocratie)الذي يسر للفاسدين السيطرة على العالم ، والتحكم فيه . وخص له الفيلسوف وعالم السياسة الكندي كتابا سنة 2015 ،تحت عنوان : “الميديوقراطية” أو سلطة التفاهة ، وألحقه سنة 2016 بكتاب ثان سنة 2016 تحت عنوان: ” السياسات المركزية المتطرفة” ليستكمل من خلاله فكرته المحورية المطروحة في كتابه الأول، حيث عالج من خلاله ” ديكتاتورية التافهين ” وكيف يتصرفون على نحو متطرف ،وبأي نظام ومفاهيم يمارسون السياسة. يقول آلان دونو : إن التفاهة تساهم في فساد اللغة والثقافة والفن والاقتصاد و البحث العلمي والوسط الجامعي والدولة بشكل عام .
حين تغيب الحكمة ،تسود التفاهة
ومرجع الميديوقراطية ، لغة من أصل فرنسي ،Médiocreوالتي تعني تافه أو ناقص nul ، أي كل ماهو غير متفوق ،ويعني به التافه الذي ارتفع من منزلة الوسط إلى مرتبة السلطة ىبطريقة من الطرق غير الصحيحة ،وهي بمثابة ثورة تخديرية ،تدعو إلى الوسطية في القيام بكل شيء ،والتفكير برخاوة ورمي القناعات في القمامة ،فتصبح الشعوب كائنات طبيعية يسهل اقتيادها ،أو مبادلتها أو ركنها جانبا .
ومن بين العوامل الأساسية التي انبنى عليها نظام التفاهة العالمي :
1 _ تغيير مفهوم العمل : تنميطه وتشييئه ،حيث المهنة القائمة على الإبداع أصبحت وظيفة مكرورة ( صنع قطعة من سيارة ،لا يسع العامل لإصلاح عطب بسيط فيها … ) لذلك تدنى العمل إلى المستوى المتوسط ،وأصبح أصحابه متوسطين بالمعنى السلبي للكلمة .
2 _ وصول التيقنوقراطيين إلى الحكم :
ببريطانيا مع مارغريت تيتشير ( حزب المحافظين) حيث تحكموا في الدولة والاقتصاد والسياسة ،واستبدلوا الإرادة الشعبية بالمقبولية الاجتماعية ؛ ومفهوم المواطن بالشريك ،وأصبح الشأن العام متحكما فيه من طرف التقنية والإدارة ،ضاربين عبر الحائط منظومة القيم والمثل والمبادئ العليا، فأصبحت الدولة مجرد شركة خاصة، تحرص على ضمان المصلحة لأفراد خصوصيين.
وأضحى السياسي مجرد صورة شخصية لناشط لوبي، همه الأساس تحقيق مصلحته ومصلحة زمرته ،و الشأن الانساني أضحى مجرد لعبة ،على المواطن أن يشارك فيها من خلال انتماء أعمى لهذه اللعبة ،فاعتمدت الدولة نسقها التافه القائم على السهرات وموائد التفاهة والرداءة ،مناصبة العداء لكل ثقافة وطنية واعية ، واعتمدت لتدبير الشأن العام شركات التدبير المفوض ،وبهذه الاستراتيجيات، صار المجتمع فاسدا ،ناسيا علة وجوده ،ومبادئ تأسيسه بشكل قاطع ،وأعدت لذلك خبراء مدربين فوق العادة تجسيدا نظامها التافه ،وينوبون عن السلطة في تتبع الأوضاع وتشخيصها ،وهم مستعدون دائما لبيع ضمائرهم ،عكس المثقفين العضويين الذين حاربتهم بلا هوادة، لكونهم يؤمنون بفلسفة التغيير والإبداع القائمين على روح الالتزام والإيمان بالمشروع الإنساني العادل. وهكذا أضحت الجامعات مجرد مصنع لهؤلاء الخبراء لا تربطهم أية صلة بالبحث العلمي ،وأجبرت الأدمغة العلمية على التناسب والتأقلم مع طموحات الشركات المدبرة للجامعات، وحاجات السوق .
كل هذا يجد تفسيره في تصريح ” آلان دونو “: ” هكذا تمكنوا من السيطرة على العالم ،دون حاجتهم إلى اجتياح ثورة الباستيل ( الثورة الفرنسية ) أو حريق الرايخ شتاغ ( حكم هيتلر) أو الى رصاصة واحدة من معركة الفجر ( معركة أسطورية دارت رحاها بين بونتا وبراكمار …) .
ولعل المتأمل في واقع الأنظمة العربية ،يلاحظ أنها لم تسلم بجلدها من الميديوقراطية التي يمثلها عدد من ضعاف المعرفة والعلم ،وذوي المستوى الثقافي المتدني الذين غدوا ، بين ليلة ونهارها، رموزا بارزة ،يتحكمون في طموحات ورغبات الشعوب ،ويقبضون على رسن الحكم بقوة .
فقد يملك رياضي فاشل دراسيا ،أو مغنية ماجنة ما تقدر النار على حرقه من ثروات مادية ومالية ،وهو ما لا يستطيع المثقف أو المخترع أو الباحث العلمي امتلاكه ،مما يعني ان النظام الميديوقراطي يولي كل الاهتمام للفائز بمسابقة غنائية استقبال الفاتحين ،ولا يكلف نفسه أي التفاتة لمن رفعوا علمه خفاقا في مجال الاختراع ،وعلوم الفضاء والفيزياء والبيولوجيا وغيرها.
إنه بالفعل عالم التفاهة والرداءة ؛ يوم صار المال والثروة بمثابة الإله الذي تتحلق حوله البشرية وتهلل له دون اكتراث منهم بحدة التدمير الذي ألحقه بمنظومة القيم ومكارم الاخلاق والمبادئ ليتم تشييء الإنسان وتعليبه وتدجينه .
*المراجع :
1_ الان دونو Alain Deneault كتاب الميديوقراطية La médiocrité 2015
2_ الان دونو السياسات المركزية المتطرفة 2016
الكتابان معا لقيا استحسانا من لدن النقد السياسي الاوروبي ،ومنح لهما الاهتمام الواجب ،على عكس النقد السياسي العربي ،الذي تعامل مع هذا الفكر ،بنوع من الحساسية والتحفظ، عدا نزر ضئيل من القراء الذين لهم جرأة المقاربة والقول .
_ مقال ” محمد صبري خليل 2016
_ مقال احمد حسن الشرقاوي
_ مقال ” نظام التفاهة العالمي “08 يونيو 2018 ابراهيم الجبيني
_ مقال ” التفاهة تتحكم بمصير العالم والدولة ” منى فياض .
I enjoy what you guys tend to be up too. This type of clever work and coverage!
Keep up the terrific works guys I’ve incorporated you guys to my blogroll.
I have been surfing on-line more than three hours nowadays, yet I never discovered any interesting article like yours.
It is pretty worth enough for me. Personally, if all website owners and bloggers made just right content as you did, the internet shall be a lot more helpful than ever before.
I really love your blog.. Great colors & theme. Did you
develop this web site yourself? Please reply
back as I’m attempting to create my own blog and want to know where you got
this from or exactly what the theme is named.
Appreciate it! http://tagomi.com