قضايا وحوادثوطنية

مظاهر الخرق القانوني لسلطة التعيين في المناصب الممنوحة لرؤساء الجماعات:

تحقيق مبدأ الكفاءة يفرض بَيان حدود مسؤولية المسؤول السياسي وحدود مسؤولية المسؤول الإداري

عبدالفتاح البكاري

تشكل الموارد البشرية، العاملة بإدارة الجماعة، الدعامة الأساسية للرقي بجودة خدمات المرفق العمومي المحلي ليصبح قاطرة التنمية المحلية؛ ونظرا للدور الحيوي الذي يشكله العاملون بالجماعات، فقد خصص لهم المشَرِّع المغربي أكثر من مادة في القانون التنظيمي 113.14، وخوَّل تدبير حياتهم الإدارية لرئيس المجلس الجماعي باعتباره الرئيس التسلسلي للموظفين، بمقتضى المادة 96 من القانون التنظيمي. و حين تطرق المشرِّع المغربي لموضوع الموارد البشرية في هذا القانون، استعمل مصطلح رئيس المجلس الجماعي وليس المجلس الجماعي؛ والهدف من ذلك حصر مسؤولية تسيير المرفق الإداري بالجماعة في شخص الرئيس لوحده، وذلك للقطع مع كثرة التدخلات التي غالبا ما تكون لها آثار سلبية على السير العادي للمرفق العمومي بالجماعات الترابية.

المجلس الجماعي للقنيطرة

  إن الموارد البشرية العاملة بالجماعات رغم انتمائها المالي للميزانية الجماعية، إلا أن تدبير وضعياتها الإدارية يتم بمقتضى قوانين ومراسيم خاصة، تختلف وتتقاطع فيما بينها؛ فهناك فئة موظفي الجماعات الخاضعين للمرسوم رقم 738.77.2 بمثابة النظام الأساسي للموظفين الجماعيين، والمشار إليهم في الفقرة الأولى والثانية والرابعة من المادة السادسة منه؛ وموظفي الدولة الملحقين بالجماعات ، ويتشكلون من مُتَصَرِّفِي وزارة الداخلية ، والموظفين المنتمين لهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات ، والمهندسين، والأطباء، والممرضين؛ وهذه الفئة من الموظفين هي في وضعية إلحاق بالجماعات بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 6 من المرسوم 738.77.2 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات، حيث أن وزارة الداخلية هي من كانت تشرف على تدبير حياتهم الإدارية، من امتحانات الكفاءة المهنية، وترقية بالأقدمية، والانتقال… إلى حدود سنة 2016، وهي السنة التي تم فيها تخويل الاختصاص لرؤساء المجالس الجماعية بتدبير حياتهم الإدارية بدلا من وزارة الداخلية.

أسئلة كثيرة طرحت في هذا الشأن، من قبيل: كيف تم نقل هذا الاختصاص؟ هل صدرت قوانين تنظيمية تسند لرؤساء المجالس حق التعيين حتى في المناصب العليا؟ هل تم تخويل هذا الاختصاص وفق الشروط القانونية أم فيه خرق للقاعدة القانونية؟

إن تخويل رؤساء المجالس سلطة التعيين في جميع المناصب، بما في ذلك المناصب العليا، يقتضي صدور قوانين جديدة تتوافق مع جميع القواعد القانونية الجاري بها العمل، وإلا يكون فيها تناقض

تشريعي قد يهدد القاعدة الأمنية القانونية؛ فالنصوص القانونية دائما تخصص نصا يقضي بإلغاء الأحكام التشريعية كليا أو جزئيا. وهذا الشرط ينتفي في القانون التنظيمي 113.14 لكون مواده ليس فيها أي إلغاء صريح للقوانين التي يخضع لها موظفو الدولة بالجماعات الترابية. فالمادة 280 منه، نسخت فقط أحكام القانون رقم 70.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، ونسخت كذلك الأحكام المطبقة على الجماعات الواردة في القانون رقم 45.08 السالف الذكر، لتبقى قابلية تطبيق القوانين جائزة بقوة القانون لكونها لم تنسخ، كظهير 038.61.1 الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية،  والمرسوم رقم 377.06.02 الخاص بهيئة المتصرفين بين الوزارات،  والمرسوم رقم 471.11.2 الخاص بهيئة المهندسين ……. والحالة هذه تجعل من سلطة التعيين الممنوحة لرؤساء الجماعات باطلة وغير قانونية، لانعدام شرط إلغاء القوانين السابقة.

بالرجوع كذلك للقانون التنظيمي 113.14 لا نجد فيه ما يفيد بإلغاء المرسوم رقم 738.77.2 بمثابة النظام الأساسي للموظفين الجماعيين، بقدر ما هناك تأكيد على استمرارية العمل به؛ وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 281 من القانون التنظيمي، حيث جاء فيها “تبقى سارية المفعول أحكام المرسوم 738.77.2 بمثابة النظام الأساسي للموظفين الجماعيين إى حين تعويضه وفق هذا القانون”. وهذا المرسوم  يعتبر موظفي الدولة ملحقين بالجماعة طبقا للفقرة الثالثة من المادة 6 ، وبالتالي فإنهم يخضعون لقوانين خاصة ، وسلطة التعيين فيها ترجع لوزير الداخلية  ، بينما سلطة التعيين  المسندة لرؤساء الجماعات  تنحصر فقط فيما يتعلق بالأطر المرتبة في سلالم الأجور من 1 الى 9 بمقتضى الفصل الخامس منه ؛ وهي الفئة المشار اليها في الفقرة 1 و 2 و 4 من المادة 6 من المرسوم السالف الذكر، مما تنتفي معه شروط القول باختصاص رئيس المجلس الجماعي في التعيين في جميع المناصب بما في ذلك المناصب العليا.

من المؤكد أن سلطة التعيين المخولة لرؤساء الجماعات جاءت بناء على ما ورد في المادة 96 من القانون التنظيمي من أحكام؛ فهي تعتبر رئيس المجلس الجماعي الرئيس التسلسلي للموظفين،  وله الصلاحية القانونية في التعيين في جميع المناصب. إلا أن هذه الصلاحيات قيَّدَتها الفقرة الأخيرة من نفس المادة حين نصت أن تكون هذه التعيينات طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل. وبالرجوع لهذه النصوص التشريعية ، نجد سلطة التعيين فيها موكولة  لوزير الداخلية وليس لرؤساء الجماعات، مما يدخل سلطة التعيين ، المخولة لرؤساء الجماعات،  في دائرة البطلان، لكون سلطة وزير الداخلية لا زالت سارية المفعول بحكم القانون؛ وهي ليست ملغية لا صراحة ولا ضمنيا.

يقتضي التنزيل السليم للقوانين احترام القاعدة القانونية. فتغيير القاعدة القانونية يجب أن يكون وفق القواعد التشريعية التي يضمنها الدستور المغربي، عملا بمبدأ تغيير التشريع لا يكون إلا بتشريع لاحق ومماثل له أو أقوى منه، وإن حق الإلغاء أو تغيير التشريع يعود للسلطة التي سنَّته أو لسلطة أعلى منها. نجد تفسير ذلك في المادة 474 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها : “لا تلغى القوانين إلا بقوانين لاحقة وذلك إذا نصت هذه القوانين اللاحقة صراحة على الإلغاء أو كان القانون الجديد متعارضا مع قانون ساب،  أو منظما لكل الموضوع الذي ينظمه”، لكون المشرع يهدف إلى تحصين القاعدة القانونية،  وأن أي تغيير لها يعود لسلطة البرلمان. في هذه النازلة فإن الشروط الموضوعية لنسخ القوانين السابقة غير متوفرة بالشكل القانوني في القانون التنظيمي للجماعات، الشيء الذي يجعل من أحكام سلطة التعيين في المناصب بالجماعات الترابية الممنوحة لرؤساء المجالس، باطلة وغير قانونية، لغياب السند القانوني في نقل الاختصاص، في حين تبقى القوانين السابقة سارية المفعول بحكم القانون، ونصوصها التشريعية تعطي الصلاحية لوزير الداخلية سلطة التعيين في هذه المناصب دون سواه. مثل هذا التناقضات في التشريع تهدد القاعدة الأمنية القانونية.

الثابت أن رؤساء الجماعات خُوِّل لهم هذا الاختصاص بشكل غير سليم،  وبفهم خاطئ للمادة 96 من القانون التنظيمي، لكون موظفي الجماعات يسري عليهم المرسوم رقم 738.77.2 وليس مواد القانون التنظيمي 113.14، مما يجعل من نقل هذا الاختصاص خرقا للقاعدة القانونية، لكونه يخالف مبدأ تدرُّج القواعد القانونية، ويضرب مبدأ المشروعية،  التي هي إحدى ضمانات دولة القانون. هذا الخرق القانوني كان له آثار جد سلبية على السير العادي للمرفق العمومي بالجماعات،. لأن الممارسة اليومية أثبتت أن رؤساء الجماعات يتخذون من سلطة التعيين الواردة في المادتين 96و 127،غطاء قانوني لإصدار قرارات مزاجية في تعيين الموظفين في المناصب العليا، تكون فيها شروط وكيفيات التعيين تتحكم فيها الحسابات السياسية، وليس الكفاءة والجدية في العمل، بحيث أصبح الموالون للرئيس هم المستفيدون الأوائل من هذه المناصب، بالإضافة إلى امتيازات أخرى. أما مخالفي مرجعية الرئيس السياسية والفكرية، فمصيرهم التهميش، وفي بعض الأحيان الحرمان حتى من أبسط الحقوق الإدارية بالجماعة.

إن الجماعات الترابية في حاجة ماسة للتنزيل السليم للقوانين التنظيمية الخاصة بها، وعلى رأسها النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية؛ نظام أساسي يضمن لهذه الفئة من الموظفين حقوقهم إِسوة بباقي موظفي الدولة، مع تسوية وضعية باقي الموظفين الملحقين بالجماعات وفق إجراءات قانونية سليمة.

إن الجماعات الترابية في حاجة ماسة لتسيير عقلاني مبني على حكامة التسيير والتدبير،  ويصبح مبدأ الكفاءة هو المعيار وليس العكس. ولتحقيق هذا الهدف لابد من بيان حدود مسؤولية المسؤول السياسي وحدود مسؤولية المسؤول الإداري، مع تعيين جهاز إداري مستقل يفصل في نزاع إداري قد ينشأ بالجماعات.

 

 

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button