عجبا.. السعودية والإمارات ومصر تعلن دعمها للسودان؟!

أعلنت كل من السعودية والإمارات ومصر دعمها للمجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان الذي سيطر على الحكم في السودان، مما قد يفسر تغيير تركيبة المجلس ورئيسه بين عشية وضحاها، بعدما كان قد أعلن عن تركيبة أُولى برئاسة وزير الدفاع الجنرال محمد أحمد بن عوف.
السعودية أكدت وقوفها ” إلى جانب حكومة وشعب السودان وتقديم حزمة مساعدات تشمل القمح والمنتجات النفطية”، ورحبت دولة الإمارات بتسلم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي السوداني ، مؤكدة أنها ” خطوة تجسد تطلعات الشعب السوداني في الأمن والاستقرار والتنمية”؛ من جهتها رحبت مصر بالانقلاب العسكري في الخرطوم وتولي البرهان رئاسة المجلس، مع التأكيد” على عمق العلاقات بين البلدين وآفاق التعاون” التي يفتحها الانقلاب بين الدولتين.
إن إجماع الدول الثلاث على الإشادة بالانقلابيين ، والترحيب بصنيعهم ، وإعلان العزم على مساعدتهم، قد يفسر حدوث انقلاب على الانقلاب فجأة، ذهب بابن عوف كرئيس للمجلس ومعه صلاح غوش ، مدير عام مخابرات البشير، وجاء بالبرهان رئيسا للمجلس، وأبي بكر مصطفى مديرا للمخابرات بدلا منهما، وقد يعطي هذا الإجماع للانقلابيين، من جهة أخرى، هوية معينة على الصعيد الإقليمي، لكنه بكل تأكيد يضيف عبئا ثقيلا وتحديا كبيرا على نشطاء الحراك الشعبي، هو عبء مواجهة التدخلات الأجنبية، إلى جانب مواجهتهم لسيطرة العسكر المستحكمة.
مهما كانت رغبة السعودية والإمارات ومصر في مساعدة الشعب السوداني “الشقيق،” فإنها لن تختلف عن رغبتهم وتضامنهم مع “شعب اليمن الشقيق ” ، و”شعب ليبيا الشقيق “، فوصفة ابن زايد وابن سلمان والسيسي في مساعدة الأشقاء أصبحت معروفة ، ولا حاجة للتذكير بها ولا للوقوف عند تفاصيلها.
بطبيعة الحال ، يُغْري السودان، الغني بثروات باطن أرضه، وتربته الخصبة، ومياهه الفائضة عن الحاجة، فضلا عن موقعه الاستراتيجي. يغري فعلا بالتبكير بمساعدة “الشعب السوداني الشقيق”، تماما كما الشعب في اليمن ” الشقيق” وفي ليبيا ” الشقيقة”، وكأن وضع الحاجة والفقر والمرض وصعوبات الحياة، التي ظل يعاني منها هذا الشعب، أيام البشير، كانت تحجزها عن هؤلاء غشاوة، فلم يروا منها سوى أطفال السودان الذين كان يبيعهم الدكتاتور المخلوع لاتخاذهم حطبا لحربهم الظالمة ضد الشعب اليمني.
إذا ما وضعنا ،جانبا، أطماع مصر في مياه السودان، بعدما بات سد النهضة الإثيوبي على النيل يهددها بالعطش التام، ورغبتها في الاحتفاظ بأرض حلايب السودانية محتلة، كما هو معروف، فإن السودان يقدم إغراءات كبيرة لكل من السعودية ، وخاصة الإمارات ، في ظل الحرب المستعرة التي تخوضها هذه الدولة لحيازة أكبر عدد من الموانئ المتواجدة على امتداد المعابر المائية العالمية الاستراتيجية، من الخليج العربي وحتى غرب البحر الأبيض المتوسط مرورا ببحر العرب والبحر الأحمر.
في هذا الصدد تبرز الأهمية الاستراتيجية التي يكتسبها ميناء بور سودان كحلقة وصل بين موانئ جنوب البحر الأحمر وشماله، حيث تسيطر مجموعة موانئ دبي الإماراتية على عدد من موانئ اليمن وبلدان القرن الأفريقي وحتى الموانئ المصرية وما يليها من موانىء ليبيا والجزائر وغيرها.
تكتسي جزيرة سواكن السودانية، البالغة مساحتها نحو 20 كلم مربع، أهمية خاصة في هذا الصدد، ذلك أن الأمر يتعلق بميناء سوداني تاريخي يعود لفترة الحكم العثماني للسودان، وقد وقع البشير والرئيس التركي إردوغان اتفاقية لإعادة إحياء هذا الميناء، الذي يقع على بعد ساعات من ميناء جدة السعودي، كميناء تراثي سياحي ترفيهي.
وكانت الاتفاقية التي تم توقيعها سنة 2017 بمناسبة زيارة إردوغان للخرطوم، قد أثارت لغطا كبيرا في الإعلام الخليجي الذي وصفها بكونها عملية بيع البشير لأرض سودانية للأتراك ، وبأنها تندرج ضمن الأحلام العثمانية التوسعية لإردوغان.
في الختام ، يمكن القول أن السعودية والإمارات ستستغلان حاجة الانقلابيين السودانيين إلى كل شيء تقريبا، لتسيير دوالب الدولية وتلبية حاجيات المواطنين الأولية، في ظل صناديق تركها البشير فارغة، وسترغمهم على القبول بشروطهما، كما قبل اليمن من قبل، لكن “البلد السعيد” لم يسبق له أن جاع ومرض وشرد وقتل أبناؤه وقطعت أوصاله، كما حدث بعدما هب ” الأشقاء” في “التحالف العربي” لمساعدته ودعم شرعيته لاستعادة السلطة في صنعاء.
هل تتحول جزيرة سواكن إلى جزيرة سقطرى ثانية، ولِمَ لا يتحول السودان كله إلى يمن ثانٍ، بل وعبد الفتاح البرهان نفسه إلى عبد ربه منصور هادي ثاني، من حيث أنه يحاول أن يعطي الانطباع مع هذه البدايات الغامضة بأنه سيكون بمثابة المشير سوار الذهب؟! كان الله في عون الشعب السوداني ونشطاء حراكه الشعبي.