بين الهوية واللغة… أبوح لكم همسا وأنسحب…

أصبحت الكتابة متعبَة الكلمات منهكَة الرموز. ضاع فيها القاصد والمقصود، أُجهضت منها معانيها ولم يعد لها ذلك السحر الخرافي. تجردت من ملابساتها و أصبحت عارية تعرض عورتها على الملأ و تصرخ في المتلاعبين بها أَن كفوا و أحيلوا عني فقد اغتصبتم طهارتي و أصبحتُ أحمل منكم سلالة لقطاء ينطقون لغوا مُغَلفا بالفراغ ولا من مجيب.
الكتابة إن لم تُعتق رقبتها من الهابين و الدابين لوَأَدت نفسها ، وارَت سلالتها التراب في زمن العصيان و الغدر دون إحساس بالذنب أو تعثر في الاذيال. أقلامنا أمانة؛ فأي ضمير لازال يَقِظا متيقظا ليمارس الرقابة من ألف الى ياء.؟؟؟؟؟
حسرتنا إِن لم نتَجنَّد ،و حَسْرتانا إِن لم نُجَنِّد ،و حسَراتنا إن لم نبادر قبل فوات الأوان. فالأمر يستلزم منا الوقوف والتأمل والاستجابة الموضوعية لما ارتشفناه من زمن النهضة والصحوة الأدبية ألتي تبقى هي مرجعيتنا السلفية في الكتابة. الدعوة صريحة إلى أن نشمر الأقلام لإنقاد غدٍ على ما يبدو يبقى غامضا ولا يبشر بالخير، وتلك وجهة نظر أخرى تبقى شخصية قد تقاسم وقد لا تقاسم. إِنما والأرضية والمنطلق مهجر كان تاريخا لحركات أدبية و لايزال ذلك التاريخ نفسه على ذلك شاهد، لا يمكنني إلا أن أنذر بحلول جيل غربة عربي تائه، جذوره تناديه وتتباهى أن تُذَكرَه انه جزء لا يتجزأ من ماضيه، لكنها لا ترويه إلا تيها و لا تفسح له آفاقا.
إنه الهاجس المستقبلي الذي يستوقفني، و قد يستوقف كل مهتم مهما صغرت درجة اهتمامه، عندما التقط تساؤلات أبنائي ممن ولدهم رحمي، ومَن في ظل مسيرتي و رسالتي و كتابتي أصبحوا أبنائي، عن الهوية العربية و ما تختزنه من ماض و حاضر و مستقبل. أما الماضي و التاريخ فهو جَليٌّ واضح بكل مراحله المترادفة من عصر النهضة إلى القومية ، مرورا بالرومنسية، لكنه أصبح مدفونا لا تثار له ذكرى و لا يقام له تكريم؛ تواكب تجاهله المتوارث عبر السنين، ويكاد يصبح في خبر كان. ويبقي الحاضر خليطا زاد من تشابكه تكاثر الوسائل التقنية و التكنولوجيا الحديثة في النشر و التوزيع، حيث كثرت علينا المدونات و الجرائد الإلكترونية و الصفحات الرسمية و المنتحلة و الحيطان … وقد عجزنا أن نجد لأنفسنا مخرجا من هذه المتاهات ، فكيف نخرج منها هذه الأجيال الفتية التي تتخبط في بُعد ثقافي غير محدد الهوية.
لا تتوقعوا مني حلولا، فصرختي هي فقط وجع فاحت رائحته تحت ضغط ضحايا التعاملات السطحية مع كل ما هو ثقافي، لم ينضج بعد لينفجر وهو يرى أشباه المثقفين ينثرون هرطقتهم يميناً ويسارا لتصيب كل تلك العيون الصغيرة التي تقرأ دون غربلة، والأنامل القاصرة التي تبصم وتتبادل بسرعة غريبة كل هذه التفاهات. آه يا وطني كم أحن لزمن كانت فيه المعلقات دروسا تعلمني اللغة والحياة.
عندما نخوض في العمق
يختلط الحابل بالنابل،
تتلاشى للأعراف كل جدوى….
أعطوني قلما ولوحا
حتى أنحت لليوم أملا
وأجعل للغد الحالم قوة وفحوى…
لعلها رياح الشرق تشرق
أعانقها بعفوية الأنثى،
وأُرتِّل على مسامعها،
أن الحقيقة كل الحقيقة مجرد جرة قلم وفكرا….
حتى فجر اليوم سأركع مع الراكعين
وسأشرب في السر
وفاء للزمن الجميل…