ثقافية

القول بالأنا يعني أنك تحمل فساداً

د.عبد الكبير بلاوشو

طُغْيَان الأَنَا لَدَى القَائِلُ: أنا النَّمُوذج”. فَالقَوْلُ بِالأَنَا يُجَسِّد حَتْماً أنَّ القَائِلَ يَحْمِلُ مَعَه فَسَاداً.

++++++++++

انْتَبَهْتُ ذات يوم ، وأنا أَقُودُ سَيَّارَتي على الطَّريق السَّيَّار، إلى وَاحِدَةٍ من القواعد النفسية والأخلاقية العَامَّة:

– إِذَا حَجَزَتْنِي سيارة بطيئة أمامي، قُلْتُ: يَا لَهُ مِنْ بَلِيد!

– وإِذَا تَجَاوَزَتْنِي سيارة مُسْرِعَة، قُلْتُ: يَا لَهُ مِنْ مُتَهَوِّر!…

إننا نعتبر أنفسنا “النموذج” الذي يُقاس عليه سَائِر الناس،  فَمَنْ زَادَ عَلَيْنَا فهو من أَهْلِ “الإِفْرَاط”، ومن نَقَصَ عنا فهو من أَهْلِ “التَّفرِيط”.

فإذا وجدتَ من يُنْفِقُ إِنْفَاقَك فهو مُعْتَدِل كريم، فإن زاد فهو مُسْرِف، وإن نَقَصَ فهو بخيل… ومَن يَمْلِك جُرْأَتَك فهو عاقل، فإذا زاد فهو مُتَهَوِّر، وإذا نقص فهو جَبَان…

ولا نكتفي بهذا النَّهجِ في أمور الدُّنيا بل نُوَسِّعُه حتى يشمل أمور الدِّين، فمَن مَارَسَ عِبَادَتَنا فهو من أهل التَّقْوى، ومن كان دُونَها فهو مُقَصِّر، ومن زاد عليها فهو مُتَزَمِّت.

وبما أننا جميعاً نَتَغَيَّر من حين لآخر، فإن هذا المقياس يتغير باستمرار. فَرُبَّما مَرّ علينا زمان نُصَلِّي فيه الفُرُوض دون السُّنّة، فَنَشْعُر في قَرَارة أنفسنا بالأسف على مَن يُفَوّت الصَّلاة ونَرَاه مُقَصِّراً، لكنَّنا لا نرى بَأْساً في الَّذين يَخْتَزلُونها في الفَرْض… فإذا تَفضّل الله علينا وَصِرْنا من المُتَنَفِّلِين نَسِينَا أننا لم نكن منهم، ونَظَرْنا إلى من لا يَتنَفَّلون بعين الزِّراية أو الشَّفقَة.

*الخلاصة:

إيَّاك أن تَظُن أن مقياس الصَّواب في الدنيا ومقياس الصَّلاَح في الدِّين هو الحالة التي أَنْتَ عليها والتي أنت رَاضٍ عنها، فَرُبَّ وقت مَضَى رَضِيتَ فيه من نفسك ما لا تَرْضَاه اليوم من غيرك من الناس. فَدَعِ الخَلْقَ للخالق، واعْمَل على إصلاح ذَاتِك فَأَنْت حَتْماً تَحْمِل معك فساداً.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button