جهاتقضايا وحوادثوطنية

روبورتاج:الدار البيضاء…فضاء مفتوح للباعة المتجولين

احتلال الملك العمومي يبلغ ذروته في رمضان

  مظاهر من احتلال الملك العمومي من طرف الباعة المتجولين(أرشيف)

سهام التويزر ـ نور24

تعرف العاصمة الاقتصادية للمغرب خلال شهر رمضان رواجا اقتصاديا كبيرا، ترافقه تفشي ظاهرة احتلال الملك العمومي في أغلب الشوارع و الأزقة الرئيسية للمدينة.

تبدو هذه الظاهرة بجلاء في شارع كراج علال ، حي سباتة ، حي البرنوصي ، ساحة الأمم المتحدة، ، الحي المحمدي و محيط سوق درب عمر، بالإضافة إلى وسط أحياء المدينة القديمة، والأرصفة المجاورة للمركبات التجارية؛ فلا تكاد تمر من هذه المناطق حتى تلاحظ وجود باعة يعرضون ما تيسَّر لهم من البضاعة على طول الأرصفة، محتلين فضاءات عمومية حَوَّلُوها ، بقوة الواقع،  إلى متاجر مفتوحة في الهواء الطلق.

أسواق مفتوحة طيلة اليوم، وعلى مدار الأسبوع، لعرض مختلف السلع و المنتوجات  من خضر و فواكه و ملابس و أحذية، و مأكولات غذائية، و تتعدد العروض سعْياً لتلبية أذواق الزبناء المختلفة، فقد علمتهم حنكتهم وتجربتهم في المجال كيف يجلبون زبناءهم، فيجد المرء لديهم ما افتقده في فضاءات تجارية أخرى، بأسعار مناسبة.

يستفيد هؤلاء الباعة المتجولون من كل فراغ، مهما كانت مساحته، لعرض منتجات من كل صنف ونوع، سواء أمام المساجد أو على الأرصفة و الطرقات، والأوفر حظا منهم من يعثر على موقع  استراتيجي في مكان يكثر فيه المارة.

كمال بائع متجول في قيسارية كراج علال، يبيع المنتجات الغذائية، يقف بجسده الهزيل ووجهه البرونزي بفعل أشعة الشمس قرب عربته، يصيح بأعلى صوته ” أَجِيوْ تَشْرِيوْ، سلعة شمال رخيصة، نوتيلا، كاشير، بيمو أوريو.. واااا سلعة الشمال) محاولا اقتناص المارة بعروضه المغرية..

لم يحظ كمال بفرصة إتمام دراسته لظروف عائلية،  و لإعالة أسرته الفقيرة، مما جعله يلجأ لمزاولة التجارة كبائع متجول؛ بدأ مشروعه الصغير ببيع الملابس النسائية، لينتقل بعد ذلك لبيع المنتوجات الغذائية ذات الإقبال الكبير من طرف الزبائن.

و عند سؤاله عن الإجراءات التي تتخذها  السلطات البلدية والعمومية في حق الباعة المتجولين، يجيب و ملامح الغضب و القهر بادية على محياه :” اختي قهرونا المخازنية، كَيْجِيوْ إلىَ مدورناش معاهم تيهزوا لينا السلعة و يضربونا، شحال من واحد هنا هَزُّو ليه سلعة ساوية ملايين و ضيعوه مسكين.. الله ياخد فيهم الحق).

يضيف كمال:” دَارُو أسواق القرب و لكن راه فرضوا علينا نعطيو ضمانة 7000 درهم و نخلصوا 50 درهم يوميا كواجب كراء، حنا غا كنترزقو و كل نهار و رزقو و منقدروش على هاد الأثمنة..”

تشكل هذه الأنشطة التجارية، التي توصف بأنها غير مهيكلة وتندرج في إطار الاقتصاد غير النظامي، حلا بالنسبة للأسر البيضاوية على مستوى الأسعار،  و مصدر رزق للباعة المتجولين، إلا أنها باتت تمثل عبئا ومعضلة حقيقية بالنسبة للمسؤولين على تدبير الشأن المحلي بالمدينة.

يشتكي بعض المارة  و سكان تلك المناطق من الفوضى العارمة التي تجتاح الشوارع والمساحات العمومية بالمدينة، مع ما يصاحب ذلك من مصادمات لا تنتهي بين الباعة، فيما على السكان المجاورين أن يتحملوا معاناة صخب وضوضاء بشكل يومي تتخللها شجارات ،وكلام ناب، ونهيق الحمير، وروائح مخلفات الباعة من السمك والأزبال.

في نفس السياق، يعبِّر عبد الرحمان ،القاطن بحي سباتة الذي يعرف هو اآخر رواجا اقتصاديا كبيرا، عن سخطه و غضبه الشديد لما يسببه الباعة المتجولون من فوضى و ضجيج ، و المس بجمالية الحي، و امتلاك مساحات فارغة تابعة للملك العمومي، فيجد صعوبة في التجول في حَيِّه، بالإضافة إلى عدم تحمله للروائح الكريهة التي تنبعثمن  مخلفات البائعين من الأزبال عند  اشتداد الحرارة ، الشيء الذي يدفعه إلى تجنب فتح نوافذ بيته.

لم تفلح السلطات المسؤولة بالمدينة في إيجاد حلول نهائية لاحتلال الملك العام، واستفحلت الظاهرة بشكل متنام في أهم الشوارع، الشيء الذي يطرح عدة إشكالات ترتبط بتجسيد الصلاحيات المخولة ضمن إطار تطبيق القانون..

في المقابل، نجد مجموعة من الباعة المتجولين يلومون الدولة على عدم تخصيص أماكن لهم لممارسة التجارة في أماكن قريبة من المحلات السكنية وليس بعيدا عنها، ضمانا لإمكانية تحقيق الربح المادي لهم وللعائلات والأسر التي يعيلونها، وأن تكون هذه الأسواق خاضعة لقانون ينظم مهنتهم، و عند المطالبة بهذه الصلاحيات يتم تهميشهم أو فرض شروط و ضمانات مالية ليست في متناولهم.

أضحت تدخلات و مطاردة السلطات البلدية والعمومية ، من قواد ورجال أمن، للباعة المتجولين، شبيهة بلعبة “الغميضة”، الذين يشنون حملات فجائية لمطاردة البائعين و تطهير شوارع الدار البيضاء.

تبقى ظاهرة استغلال الملك العام من طرف الباعة المتجولين، مشكلا قائما  بين الساكنة و الباعة، تتحمل مسؤوليته السلطات المعنية بالأمر..

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button