
آسية إعلوشن
من على شرفة الضجر أرقب المارة.. واحدا تلو الآخر، يعبرون رصيف العبثية..البعض يلقي السلام و البعض يرد التحية. وعلى محيّاهم ترتسم ابتسامات سريعة الذوبان…صوت القهقهات يعلو..”ضحكات مزيفة”.. حتى أن منهم من يأخذ الآخر بالأحضان.. يكاد يخنقه.. حبّاً.؟وُدّاً؟ لست أدري.. لعله مجرد اصطدام عاطفي أو حادثة سير طفيفة على منعطف المشاعر . هناك المسرع والمهرول وهناك البطيء أيضا :شاردٌ هو ؟ لست أدري.. لعله متشرد قادم من مدينة الأحزان.. صوت الثرثرات يعلو.. كلمات منمقة..

على نهاية الرصيف، رأيت أمّاً تستعد لأخذ “سيلفي” غير آبهة لبكاء صغيرها.. تُغَيِّر وضعيات الالتقاط.. غير مكترثة لوضعية صغيرها.. يكاد يسقط من العربة.. سيجن من البكاء..ترتِّب ثيابها والمارة ينظرون.. يثرثون.. بكاء الطفل يعلو و يعلو… “أمومة مفتعلة”.؟ “طفولة مغتصبة”.؟ لست أدري. وسيل الأفكار يجرفني.. بعيدا و يقذف بي على يابسة ليس فيها سوى “أنا”.. كمن نجا وحيدا من الطوفان.. كلاجئة وصلت حديثا لبلد “العصيان”.. صوت السكون يعلو.. غيبوبة مؤقتة…
مِن على شرفة الضجر أرقب المارة.. أرمقهم بنظرات استغراب..”مَن” هؤلاء؟ لست أدري؟ صوت الغربة بداخلي يعلو و يعلو.. صوت إنسان…
الرصيف بدأ يخلو..لكن، مهلا!!! هناك، نعم هناك، شابة تركض.. تمارس رياضة الجري.. على رأسها حجاب. مهلا ! ما بها؟ تمزق سروالها ..يا ويلي!!! ولكن…مهلا ! يا لسواد ليلي : هي ليست شابة. بل ستينية عافت لباس الوقار..الشمس تغيب وصوت الأذان يعلو …صلوات مهملة…
مِن على شرفة الضجر أترقبهم وأنا أدرك جيدا أن الكل تعيس يمثِّل السعادة على مسرح النسيان”. أهُمُّ بالدخول، أغلق باب الشرفة و أسدل الستار. فالمسرحية مملة و التمثيل رديء، فيه من التصنع ما يقتل الوجدان..
أتوضأ بسرعة لأصلي صلاة الغائب على ضمائر تقديرها “هي”. اختارت و لم يكن أبدا مُقَدَّراً لها أن تهيم في زخرف الحياة…أن تغيب دون إشراق..
و لتصلوا أنتم أحبتي، صلاة الجنازة على روحي التي سقطت في زحام الأفكار.. لتبقى عالقة في برزخ الأحرف و الكلمات حتى قيام ساعة أسطر جديدة..
مِن على رصيف جديد…نضخت بها دماء جديدة .. تروِي العروق والعقول معا.. ليحيا الإنسان إنسانا بعد أن كان مجرد جثمان.