منوعات

المبادرة الملكية وتطوير النظام الصحي الوطني

 

إلهام الوادي(+)

إن إرادة المؤسسة الملكية كفاعل مركزي وتخطيطها للمشاريع الصحية، لها دور كبير في تطوير الشأن الصحي،  فلقد أولت المؤسسة الملكية أهمية بالغة للواقع الصحي ، حيث لا تخلو خطبة من خطب المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني من تذكير في هذا الشأن، بل سارع في الانخراط في منظمة الصحة العالمية للاستفادة من مزايا العلاجات والتلقيحات وغيرها.

الملك محمد السادس خلال تدشينه لمركز صحي للقُرب

إن أهمية الجانب الصحي هي ما جعلت الراحل الملك الحسن الثاني، الذي كان في كل المؤتمرات الدولية ، يؤكد أن رمز الازدهار هو العامل البشري؛ ويؤكد أن صحة الفرد هي من صحة المجتمع. لقد رأى الحسن الثاني أن الصحة ليست مسألة الطب فحسب، بل هي قضية التنمية الشاملة، وقضية أطر وتجهيزات ينبغي توفيرها، وإتاحة فرصة الاستفادة من خدماتها يعبر عن ذلك بقوله:”…إن الذخيرة الأثمن لأية أمة ليست احتياطها من الذهب أو العملات الصعبة بالغة ما بلغت، وليست كذلك ثروتها الجوفية ولا صناعتها، بل هي صحة شعبها. ….”.

كان تصور الحسن الثاني تصورا سابقا لأوانه؛ إنه بمثابة التصور الذي يمكن أن نراه صالحا حتى يومنا هذا، لأننا اليوم نسعى إلى تغيير الواقع الصحي، لكن فبنفس العقلية والآليات لا يمكن أن نغير واقعنا ما لم نغير عقلية مؤشر التنمية ورصيدها الأول هو الاهتمام بالعنصر البشري وتطويره، بل وجب أن نرسم لهذا الأخير استراتيجيات علمية توفر له تكوينا علميا واضح المعالم والأهداف؛ كما أنه لا يمكن أن نطلب من المورد البشري الصحي بعض المستحيلات؛ فنحن نطلب منه إجراء تغيير ملموس دون أن نوفر له السند والتحفيز المادي والمعنوي مع تجديد كل الآليات الصحية.

إذا كان جهد المغفور له الملك الحسن الثاني سببا في إرساء دعائم سياسة صحية جادة ومثمرة وذات أهداف في سياقات سياسية واضحة فإن تولي الملك محمد السادس عرش أسلافه جعله يطلق أولى مبادراته ذات البعد الاجتماعي والصحي ، وهو ما تمثَّل في إطلاقه لصرح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اعتبرت نقلة نوعية، وصفقت لها كل الدول المتقدمة والمنظمات الدولية.

من جهة أخرى يمكن أن نشير في هذا الصدد إلى ما حققته مؤسسة محمد الخامس للتضامن من تأسيس عدة مراكز طبية للقرب ، تم تدشينها من طرف جلالة الملك لتعزيز عرض العلاجات وتقريب المواطنين من الخدمات الطبية ، ولتتلاءم مع ما تسير في نهجه الدول المتقدمة وخلق مناخ يتلاءم مع ما تستهدفه من وعي صحي.

لقد أسهمت الخطابات الملكية التي أكد فيها جلالته على ضرورة الاعتناء بالوضع الصحي؛ فلم يتوقف جهد الملك عند هذا الحد بل أطلق مشروعا ضخما، ونقصد هنا مشروع التغطية الصحية ، أو ما يسمى بنظام المساعدة الطبية، الذي لم يتمكن جل المواطنين من الاستفادة منه.  وفي هذا الصدد فإن المجهودات المبذولة من لدن المؤسسة الملكية ، والتي ظلت دائما هي المسطر للسياسات الصحية ، ويظهر بالملموس كيف أن القطاع الصحي ظل دائما أولوية من الأولويات الكبرى لملوك المغرب.

ورغم كل هذه الجهود يقول جلالة الملك محمد السادس “…إن هذه الإنجازات على أهميتها تبقى دون مستوى طموحنا في هذا المجال لنؤكد حرصنا الموصول على جعل النهوض بقطاع الصحة من الأوراش الحيوية الكبرى، إيمانا منا بأن حق الولوج للخدمات الصحية،  الذي كرسه الدستور الجديد للمملكة ، يُعد دعامة أساسية لترسيخ المواطنة الكريمة،  وتحقيق ما نتوخاه لبلدنا من تنمية بشرية شاملة ومستدامة “

فالمنظومة الصحية المغربية تعرف اختلالات عميقة تخفي غاية المشاكل التي يتخبط فيها القطاع الصحي، ومن أبرزها :

– إشكالية الخصاص المهول في الموارد البشرية.

– إشكالية تمويل القطاع الصحي.

– إشكالية الولوج للخدمات الطبية بالمستشفيات.

– إشكالية غلاء الأدوية.

– مشاريع التغطية الصحية لم تشمل جل المواطنين.

هذه الإشكاليات تم تجسيدها عبر سياسات واستراتيجيات ومناظرات وأوراش متعددة من لدن الوزارة الوصية،  والتي تهدف في مجملها لبلورة سياسة صحية تستجيب لانتظارات المواطنين عبر مقاربة تشاركية تستمد شرعيتها من روح الدستور الجديد من أجل إصلاح حقيقي للمنظومة الصحية الوطنية ، ومن أجل بلورة ميثاق وطني واقعي قابل للتفعيل يضع المواطن في صلب اهتماماته هدفه تقويم الاختلالات وإيجاد السبل الكفيلة لتجاوز الإكراهات،  واستشراف الآفاق المستقبلية الواعدة ، غايتها الأسمى هو توفير خدمات ذات جودة عالية لكافة المواطنين على حد سواء وذلك بصفة ناجعة عادلة ومنصفة، إذ على الجميع اليوم أن يستحضر قيمة الحق في الصحة بالنسبة للمواطن المغربي وحساسية القطاع الصحي.

(+) أستاذة قانون الصحة بوزارة الصحة

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button