أدبياتثقافيةمقالات رأي
أمهلني ياقدر…

هناء مهدي
لكل شيء جميل نهاية، ولكل كتاب ختام!
قوافلُ الراحلين تترصّدنا.. تعبرنا.. وتنتزع كل رحيل جزءا ثمينا منّا، وقريبا جدا ستُنهينا وتأخذنا.
بِقَدر حلاوة الدنيا.. مرارَتها لاتغادر الحلق، بقدر عطائها اللامحدود.. تأخذ منا، غصباً، أغلى مانملك.
لاتُبقي حبيباً لنا، ولاتذَر..

فصول السنة تناوبتنا. بالربيع افتتحنا، عمر في دربنا طويلا.. ثم رحل.
وجاء الصيف حاصدا أزهارنا..
أين الأوراق الخضراء التي أحاطتنا وحمَتْنا منذ انشقّت عنا الأرحام.. فولدنا؟
أين الصدور التي حضنتنا؟ أين العيون التي حرستنا؟ أين الأيدي الناعمة التي لامسَتْنا؟ أين القلوب التي رحمتنا؟ أين البسمات التي لوَّنت حزننا فاستحال إلى فرح؟.
تعرَّت أشجارنا، تكسَّرت أغصاننا، وسكَن الجليد صدُورنا.. فعمرها الشتاء!
تمدَّدت بنا الدنيا وتلوّنت.. شقَقْنا هدوء العالم بقهقهاتنا العالية.. ثم أصابنا بعدها الخرس. تقلصت بنا الحياة، وبهتت ألوانها..
إن سيف القدَر لارادَّ له.
إن أعمدة البيت العتيق تتساقط..
هي المصائب تتهدَّدُدنا..
وشبح الموت لنا يُلاحق..
أُسائله كل مرة وحين.. ترى مَن سيرسُو عليه خيارك ؟
أيُّ ضرس من أضراسي ستقتلع؟
يجيبني فأرتعب.
يهمس في أذني:
هلاَ تمرَّنت على التجذيف بِيدٍ بتراء؟ هلا أعددت عُدَّتك لرحيل قريب؟
أُناشده التَّروِي.. لم أستعد بعد.. إن الدنيا بمرارتها لها حلاوة لا تشبع!
أمْهِلْني يا قدَر فإني لم أشرب نخب الحياة بعد!
أمهل ما تبقَّى من أحبابي وأصحابي..
فما أخذتَ لي منهم.. ليس يسير!
أمهلني ياقدر.. فزَرْعي لم يطب.. وأوان الحصاد.. عسى يكون بعيدا.. !!