رمضاننا.. شهر عبادة أم موسم عادة؟؟
هناء مهدي
ننتظر حلوله بشوق لِما فيه من الروحانيات والمنافع. و كلما أهلَّ علينا هلاله وانشغلنا في الاستعداد له نردد عين سؤال لا نجد له كل رمضاننا جواب. وهو: إنْ كان الشهر الذي حل شهر عبادة أم محض عادة، خصوصا ونحن نشهد استعدادا وتأهُّبا لحلوله وأعمال شاقة، وتخصيصا لمصاريف مكلفة للملبس الرفيع والمأكل الغني والمشرب، و كأننا نعد لموسم الأعراس؟ !
لكن الجواب لا يبدو ممتنعا عن العالمين من حولنا، فمهما كان مستوى الشخص المادي إلا وله على هذا السؤال جواب. فمبعث كل ذاك الاستعداد -حسب ردهم- هو الفرح العارم بحلول شهر كامل مخصص للتعبّد والتجهُّد، فيتم تبعا لذلك استقباله أجمل استقبال. تُخاط الجلابيب من أجله بكل الألوان، وتُزَوَّد المطابخ لفضله بأصناف الطعام، وتُنَظف البيوت ويُجَدّد الفرش استقبالا لضيوف كرام، ومن تم تكون دعواتنا الباذخة تناسب تماما أفرشتنا المخملية الرفيعة كل رمضان !
جميل هذا الاحتفاء الذي يترجم حب الكبير والصغير لموسم الصيام، وجميل كذلك احتفاءنا يوم السابع والعشرين بالصائمين الصغار، حيث تزدان صغيراتنا بزينة العروس، ونجمّل صغارنا بالجلباب الأبيض والطربوش، قبل أن نودع بحلول العيد شهرا تتلون فيه عاداتنا الجميلة بكل ألوان البهجة والمسرات.
لكن السؤال يظل مطروحا بإلحاح إن كان الشهر فعلا شهر عبادة لا يكتنفها في ذلك ذرة غبار، أم أن العادة هي المتحكم الرئيسي في طقوس شهر الصيام، وإن كان الصوم عن الأكل طيلة النهار أمرا مجمعا عليه بين الكبير والصغير، وكذلك حالهم مع الاعتكاف في المساجد بعد صلاة العشاء الذي يغدو عودا لا مندوحة عنه لِمُصلي شهر رمضان.
الملاحظ أنه رغم جوع البطن لا يتغير حال شوارعنا، فكل المظاهر اللاّأخلاقية تظل على حالها أو تزيد، ويصبح الناس أكثر انفعالا واشتعالا.. تلتقط المسامع في الأسواق المزدحمة كلاما لا يليق بالصائمين فلا تشعر البتّة أنك بين العابدين.. لا تراحُم ، لا لين ولا مودة.. بينما تقضي النساء أوقاتهن بين الأعمال الشاقة،لا فرق في ذلك بين العاملة وغيرها، كلاهما على موعد يومي مع الأسواق وموعد في اليوم عينه مع المطبخ، ولابأس من كل ذلك الجهاد، مادام كل المبذول من أجل رمضاننا الذي لابد أن تتلون فيه الموائد، مائدة إفطارغنية تتْلُوها مائدة عشاء شهية ، فمائدة سحور. وبين كل الموائد موائد!
فهل هكذا تكون العبادة ولما نفتح أعيننا استقبالا لصباح يوم موال نفكر مرغمين في الموائد التالية؟ أم تكون عبادتنا لما نصلي ونحن نغالب النوم والإرهاق بعد عناء ومشقات تحملناها امتثالا لفريضة إشباع البطون الصائمة، بينما عقول الآخرين تظل شغالة أثناء الصلاة لا تفكر إلا في محتويات الوليمة القادمة؟
الأغرب من هذا أنه لما تشكي امرأة مشقة وإرهاقا، يجيبها المتشيخون بأن عمل المرأة الشاق ذاك هو خير عبادة تُؤْجر عليها! لكن متشيخونا الكرام لا يقبلون تعقيبا لزعمهم فحواه أنه قياسا على قولهم فإن المرأة ، بالمحصلة، تحصد أعلى معدلات الأجر والثواب، وأن أغلب أهل الجنة من النساء !
يبقى التساؤل مطروحا إنْ كان هذا هو المقصود بالصيام، فكيف إذن نشعر بجوع الفقير ونحن على موعد مع شهر الولائم؟ كيف يغتني المحتاج بفضلنا وإكرامنا ونحن أساسا لا نفكر إلا في إغناء موائدنا المتخمة، أو استضافة وإكرام من نَعُدَّهم من الأكابر؟
من يغتني في رمضان ليس إلا بطوننا التي لا نفرغها إلا لِنَحْشُوها كل مساء بما لذ وطاب من أصناف الطعام وأجوده! كأن بطننا أمْسَت بطن ديك رومي نفرغه لنحشوه بحشوة باذخة، دون أن نترك لأجل ذلك فجوة قد يملؤها الهواء!
الملاحظ أنه لما تصل العشر الأواخر تجد رجالا كثيرون يبالغون في التهجد والاعتكاف في المساجد والخشوع في الصلاة، طبعا ليس كلهم من العباد التُّقاة، ولا من المتطهرين التوابين، بل من المتحسرين على قرب زوال النعمة فيرفعون مظلوميتهم إلى الله وهم يخشون على بطونهم كل خصاصة، ويدعون بأعلى حناجرهم المولى أن يعيد عليهم شهر الولائم، ويديم عليهم نعمه وفضائله!
اتفق تماما ما ذهبت إليه الكاتبة وهو يعكس مقارنة حقيقية بين ماهو المطلوب والبديهيات من الصيام وبين ماهو النقيض أو دعني أسميه و بقسوة انه النفاق أو الرياء وهذه المقارنة جميعها تقع ضمن المفهوم الشرعي لحكم الصيام .
هنا أريد أن أضيف تشخيص آخر و اكيد لم يغيب عن بال السيدة وهو من وجهة اخرى للصيام من جانب آخر هو الجانب الانساني أي جانب التعامل مع الآخرين .، في الجانب الشرعي تبغي الأجر و الثواب لك وحدك بينما في جانب التعاملات بالرغم من أنه أيضا فيه مكسب أجر وثواب ولكن لانعطيه أهمية أو جهد بقدر جهدنا في التظاهر بالجوع أو بالورع أو بالتوقيتات الدقيقة للصلاة والافطار .
هذا التظاهر أو ارجع الى تسميتي له بالنفاق لايظر بنفسك فقط بل يظهر بمصالح الآخرين . يعني مثلا حضرتك موظف في مؤسسة أو دائرة حكومية ، هل حاولت ان تغير من اسلوبك في التعامل مع المراجعين؟ هل قابلت جارك وانت خارج لعملك بالابتسامه مع كلمة صباح الخير ؟ هل اخلصت في عملك دون انزعاج منك ؟
هذا التعامل الإنساني هو من يحدد شخصيتك و أعتقد هو من يحدد درجة إيمانك و تقربك إلى الله سبحانه وتعالى .. حينها سأقول لك مبارك لك الأجر والثواب و من غيرها فليس لك من الصيام غير الجوع والعطش .
رمضان كريم … معذرة للاطالة