دنان العشق
ذ. إسماعيل هموني
تعلم من الفيض سره؛ وتوضأ بمائه إن كنت نويت الصلاة في محرابه. ففي الشوق إليه مقام يقصده أهل القلب؛ وتهيج منهم قوافي تهيم بهم في الدمع. فإذا سحر التلاوة في كل ناد تهب إليه طوائف القوم تباعا تباعا . فترى القوم ركعا ؛سجدا في حضرة الأقداس شخعا ؛ تسمع نشيجهم أو نحيبهم رقصا يلفه سحر تخلخل بنور النون.
على أرضه سجايا الوديعة؛ يجول وقوفا بالحروف؛ يقطف للألف اشتعالا للام؛ ويسرع؛ في خفة الروح، إلى كوثر الياء.
يا معشر الأرواح التى أطبقت على دنان العشق، تعب من عطش الغلال، حتى تواتر عنهم الماء في نواذر الظراف .
هذا وجدي يتنزه بين الماء والنار؛ وحبي للنور ليس خاف؛ فقد اندرس في طيني حد الطين؛ وفاتحتني (ألف لام) الروح بكتاب العشق، أتلوه على إمام القوافي؛ فما رأيت سوى خطوي يكبو؛ ويسمو ؛ وعلى بــر الوجد يرفو صورتي على أعين الصفاء .
توضأت؛ ككل الكائنات؛ بماء الغيب حتى كشطني من وعثاء التعثر؛ ودنوت من روض القطاف؛ أسدد خطوي على درب لا يجافي؛ كأني أبصر على الطريق إمامي يرتل شدوه للمنافي. فشربت من سلاف الناي بغيتي ؛ثم صليت في واد النون صلاة الخائف؛ فناديت أهلي ؛زمرا ؛ وصرفت لهم ما في جعبتي من الأعراف.
فصنت عهدي للمحبة حتى رأيت ميلي للمحبوب ؛ وناديت في الوادي؛ يا نون المحبوب ؛ يا نخلة المشبوب ؛ ها رفعت الكلفة عن المعطوب ؛ وصدقت السر في المحجوب ؛ ومشيت إليك؛ عاريا ؛من كل الخطوب ؛ حامدا الله على سكرتي وأنا في عز صحوي. فرأيتني مغلولا ولاذنب لي؛ ومفضوحا ولا هتك لي؛ ومفتونا بحبيب قدره الله لي .
فلا السماع طاوع وجداني؛ ولا أهلي عرفوا علتي. فمدت لي يدها نخلة من نخيل الوادي؛ عليها من أنوار ربها ما ضمختني روائحه، حتى أنخت راحلتي بين هدبيها.
قالت : أولاترى اقترابا لك إلا من البؤبؤ؟
قلت : من العين يفيض الشوق ؛ وللوصل جئت أطلب ملبسه .وأنت أعلم بحالي مني .
فشربنا ؛معا ؛ من ماء النون حتى غص بنا الماء ؛ وفاض من سويداء القلب ماء الشوق ؛ فسمعنا منشدا يرسل آهات من عود بين يديه ؛يقول :
وحقك لا نقضت الدهر عهدا ..ولا كدرت بعد الصفو ودا
ملأت جوانحي والقلب وجدا.. فكيف أقــر يا ساكني وأهدا
فيا من ليس لي مولى سواه، نراك رضيتني بالباب عبدا.. فاستويت في حوض الوجد ؛ وعلمت أن الحب يهد كل كبرياء …