بيئة وعلومتربويةثقافية

الأستاذ سعد بلجنوي: البصمة النفسية.. الأثر النفسي الذي أسسه المحيط والبيئة والمواقف

المحاضرة الثالثة من سلسلة "الحياة النفسية تقديرات وآفاق تحليلية"

هناء مهدي

في إطار سلسلة المحاضرات حول التحليل النفسي، التي تنظمها مؤسسة المدى مع الأستاذ سعد بلجنوي، تحت عنوان ” الحياة النفسية تقديرات وآفاق تحليلية”، انعقد يوم الجمعة 25 مارس 2022،بفيلا الفنون بالدار البيضاء، اللقاء الثالث حول موضوع “البصمة النفسية، التي تم بثها مباشرة عبر الصفحة الفايسبوكية للأستاذ بلجنوي.

 

الأستاذ سعد بلجنوي

في مستهل محاضرته، تناول الاستاذ سعد بلجنوي الحياة النفسية للكائن البشري، وما يعانيه من اضطرابات ومشاكل يثيرها الموضوع الخارجي/الداخلي، وأيضا استراتيجيات الدفاع النفسي، والمقاومة و الرفض وفرض الذات، والارتهان العاطفي للآخر أو للمواقف التي مرت بالكائن البشري، وأسست لتاريخه الملازم له، وهو القيد الذي سيكبحه طيلة حياته، ويحُول دون تحرُره وانبثاق ذاته.
 بعد هذا التقديم، ينتقل الأستاذ سعد بلجنوي إلى صلب موضوع محاضرته: “البصمة النفسية”. وفي سياق تعريفه لها، يميزها عن البصمات البيولوجية والوراثية الأخرى؛ فهي الآلية التي تكوّنت بها نفسية الشخص ومشاعره الداخلية؛ وهي الأثر النفسي الذي أسّسه المحيط والبيئة والمواقف، ليخلص إلى أن البصمة هي ما أثّر أو ما يؤثر، وليتساءل إن كان بالإمكان القول أن كل كائن له بصمته الخاصة التي تميزه وتفرده عن الآخر؟.
يؤكد الأستاذ بلجنوي أن الكائن البشري مع تفرُّده يشكِّل الوعاء الذي يملؤه المجتمع. وهنا تحدث المفارقة لدى هذا الكائن الذي بقدر ما يبحث عن ذاته وتفرده، لايفتأ يتماهى مع الآخر. هذا المركّب النفسي لدى الشخص، الذي يجعله يرغب في الذوبان في الآخر، يطور في نفس الوقت لديه رغبة في التميز والتفرد، وقد يلجأ للمعارضة سعيا إلى إبراز ذاته وخصوصيته واختلافه وتميزه.
هذا الاختلاف الذي يندرج حسب نوع البصمة التي يحملها الشخص، والتي أسسها المحيط والبيئة والمواقف التي مر بها (تاريخه)، يمكن أن يكون مرده ثقافيا محضا، يتباين بتباين المجتمع الذي ينتمي إليه، وقد يتباين حسب المرجعيات والإيديولوجيات التي يحملها، كما يمكن أن يكون أساسه ازدواجية او تعدُّد الأصول الثقافية أو المرجعية للفرد الواحد؛ وهنا يُطرح موضوع الزواج المختلط والاضطرابات السيكولوجية التي قد تنجم عنه، ومنها صراع الثقافات والقيم ومشكل الانتماء. هذا التلوُّن في الجذور  يؤسس، بدون شك، لبصمة نفسية مختلفة خاصة، تميز الكائن وتُفرده عن المحيطين به.
 في إطار تناوله للبصمة النفسية،ينتقل الأستاذ بلجنوي إلى الحديث عن المقاربة الأسرية التي تدرس الآلية النفسية للمجموعات، ومنها المحيط الذي ينتمي له المعاني النفسي، والذي يؤثر في تأسيس بصمته النفسية سلبا أو إيجابا. هكذا تكون نفسية الطفل المضطربة عبارة عن تعبير أو عن عرض من أعراض أمراض الوالدين. وهنا لايكون المعاني النفسي مريضا لوحده، لذلك لايقف العلاج هنا على الفرد، بل يتعداه إلى علاج المجموعة.
بناء على هذا، تعتبر المقاربة الأسرية الفرد بصمة المحيط، فلايمكنه تأسيس بصمته الخاصة دون التخلص من البصمة المرضية الأسرية التي تقيده، بينما تقوم المقاربة الإكلينيكية على علاج الفرد لوحده دون استبعادها إمكانية العلاج الجماعي.
هكذا تثار العديد من المشاكل النفسية في الموضوع، ويثار مايسمى بأزمة البصمات كلما تعلق الأمر بحاملي الثقافات المزدوجة، ومنهم المهاجرين والمنفيين، حيث يؤكد الأستاذ بلجنوي أن هؤلاء  المهاجرين تتنازعهم الرغبة في إبراز الهوية الذاتية، فتتصارع الآلة النفسية لديهم بين ما تمليه شروط الاندماج، وبين أصولهم وثقافتهم التي يحملونها في دواخلهم. بين الجذور التي اجثتوا منها، و تلك التي يجب أن يستنبتونها في البلد الحاضن، فرضا للذات، وضمانا للقبول والاندماج في وسط جديد حاضن.
يؤكد الأستاذ بلجنوي أن هذا التباين الثقافي الذي تناوله العديد من الدارسين والانثروبولوجيين، يطرح التساؤل حول ما إذا كانت عقدة أوديب عقدة غربية محضة، أم لها طابع عالمي؟
يخلص الأستاذ إلى الحديث عن الأنا، والأنا الأعلى التي أسس بنوذها الوالدان والمجتمع، والتي تحمل قائمة الممنوع والمباح والقواعد الملزمة التي لايسوغ تجاوزها.. يظل الكائن يستدخلها ويتشرب قواعدها ويفرض قدسيتها.. وتفرض وجودها جبرا في لاوعيه، وتؤسس لهويته ولبصمته النفسية المتماهية مع ثقافة المحيط والبيئة التي أحكمت وِثاقه،  بل لعلها كانت سببا في كثير من الأزمات النفسية التي سيعيشها كلما وقع تجاوز لأحكام الأنا الأعلى الحارسة لإملاءات رغباته وشهواته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى