ثقافية
Trending

التجربة المغربية في الحُكم هي الحل لكل مصائب العالم العربي

 د.إدريس أبو إدريس

 يبدو لنا الآن ما كان يسمى الجناح الغربي للعالم الإسلامي، وهو غرب القارة الأفريقية، وغرب الشرق الأوسط العربي، وكأن تجربته التاريخية عبر القرون، أفرزت لنا شكلا من أشكال الحكم تختلف كثيرا عن باقي دول العالم الإسلامي، وحتى البلدان المتقدمة ديمقراطيا، والتي بدأ الكل ينتقد ديمقراطيتها، ويصفها بالفشل والجمود والفساد. ولم تستطع تحقيق طموح الشعوب في استمرارية التقدم والرفاهية، والقضاء على الفوارق الطبقية التي تزداد عمقا واتساعا (وهذا موضوع يحتاج إلى مقالة مستقلة )

التجربة المغربية في الحكم التي تبلورت عبر مخاض عسير، وتجربة تاريخية طويلة وفريدة من نوعها، هذه التجربة تبدو الآن هي الحل لكل معضلات ومآسي الشرق الأوسط ….

كيف ذلك ؟

منذ أن ظهر الإسلام وتكونت الدولة / الإمبراطورية الإسلامية ، تفجرت مشكلة الحكم في الإسلام، وظهر جليا أن تجربة الخلفاء الراشدين لا يمكن بتاتا إعادتها، لأنها تجربة فاشلة في الحكم، ولم تؤد إلا إلى إراقة الدماء، حيث تمت فيها تصفية ثلاثة خلفاء أساسيين يعتبرون أعمدة في تاريخ الإسلام ودولته وشكل الحكم فيه(مقتل عمر وعثمان وعلي ثم الحسين)

لماذا انعدام التوافق؟

يمكن أن نفسر هذا إلى ما ذكره ابن خلدون في مقدمته ، في أن الأعراب البدو، متجذرة في طبعهم حب الرياسة، والتعصب إلى العشيرة والقبيلة، وهما عاملان يحُولان دائما أمام خلق أي توافق أو انسجام في الرأي أو الإجماع، لأنهم يرون دائما في المتولي للحكم هو أقل من الآخر الذي من عصبيتهم

والمجتمع القبلي بطبيعته منكمش على ذاته ومنغلق ويرفض الآخر، يرفض الآخر بشكل قطعي وعنيف، وفيه تعصب وتطرف وعنف

الدولة المغربية قضت القرون الطويلة وبزعامة سلاطينها في العمل الشاق والمستمر في تشتيت العصبيات القبلية المغربية، وبكل الوسائل السياسية أو العسكرية، وفي القضاء على شوكتها، وبالرغم من ذلك لازالت مستمرة، خاصة عندما حاول الاستعمار إحياءها، لكن الدولة المغربية، أو ما يسميه المغاربة بالمخزن، استطاع تذويبها واحتواءها، وتشتيتها، ثم لعب دور الحكَم في وسطها عوض ما كان يسمى الجماعة، وهذه الحكامة لعبت فيها الزوايا دورا كبيرا بالاحتواء والاحتضان وربطها بالمخزن المركزي ..

أما في المشرق العربي فلا زالت هي العنصر الأساسي في الدولة العصرية، مع الطائفية والفرق العقائدية، وهذه الأشياء مجموعة هي التي تعتبر من أسباب عدم الإستقرار في كل دول العالم العربي(في ليبيا ومصر والسودان والعراق وسوريا ولبنان وتونس والجزائر) والذين ينطلقون من العقيدة ويريدون إحياء الخلافة الإسلامية، إنما هم يحلمون، أحلام يقظة، وهي بمثابة تنويم مغناطيسي، يمارسه عليهم بعض المشعوذين في العالم العربي من المتطرفين والغلاة، يتركونهم يعيشون على أوتوبيا لا توجد إلا في عقولهم المريضة، وهم مجموعة من المجرمين والمرتزقة أرادوا تشويه دين الإسلام لخدمة أطماع غربية في المنطقة

خوارج عهد الخلافة كانوا مبدئيين ومذهبيين  ومتدينين إلى أقصى حدّ، أما هؤلاء فما هم إلا مرتزقة لا يعبدون غيرالدولار، وتفننوا في قطع الرؤوس من أجل الدولار ولاشيء غير الدولار، لتشويه صورة العرب والمسلمين، وإعطاء غطاء سياسي للغرب للتدخل والسيطرة على المنطقة، وللصهيونية الفرصة لتصفية القضية الفلسطينية، والهيمنة على منطقة الشرق الأوسطوالدولار والدعاية المغرضة هي التي غررت بمئات الشباب، وحتى من الغرب الأوربي، إلى الانضمام لهذه المجموعات من مرتزقة العالم الإسلامي، والتي كانت قاعدية ثم تحولت إلى داعشية عندما استقرت وسط الخريطة العربية

إن ما وقع في الكثير من البلدان العربية، سببه الديكتاتوريات، ديكتاتوريين أعمتهم الأنانية والعجرفة، وأصبحوا يؤمنون بعقيدة عبادة الشخصية (ميغالومان Mégalomanie )أشياء أعمتهم عن رؤية الحقائق الواقعية في السياسة والاقتصاد والمجتمع وفي الجيوبوليتيك، وأغمضوا أعينهم عن شيء أساسي في التاريخ، ألا وهو مبدأ التغير والتطور، ولو قرأ واحد منهم مقدمة ابن خلدون لما فعل بشعبه ما فعل !! ولما تشبث بالحكم بالشكل المرضي الذي تميزوا به دون غيرهم

يقول ابن خلدون في هذا الباب : “إنما أحوال الأمم والأجيال لا تدوم على وتيرة واحدة، وإذا تبدلت الأحوال جملة، فكأنما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم بأسره…” فوجب بعد هذا، إيجاد شكل من أشكال الحكم المناسبة لتلك التغيرات التي وقعت في المجتمعات…”

هذا ما حدث للعالم العربي، ومنذ حملة نابليون على مصر _مع بداية القرن التاسع عشر _، ونفس الشيء حدث لنا في المغرب مع معركة إيسلي 1845، فالحدثين معا يعتبران الصدمة الأولى- وأسميها الصفعة الأولى-، التي تلقاها العالم العربي بجناحيه الغربي والشرقي، وكان سببها الجمود والانكماش الذي عاشه العالم العربي منذ تراجع الحضارة العربية الإسلامية في القرن الثاني عشر… ولم تبق غير منارة الأندلس التي أثرت كثيرا على المغرب حضارة وسياسة وثقافة وفكرا

وهذا ما جعل فترة الانحطاط في المشرق  لا تعطي غير الطغاة والاستبداد والحكم المطلق الفردي، وبالتالي استعباد الشعوب العربية؛ وزاد الحكم العثماني في المشرق من تركيز كل مفاهيم الاستبداد والاستعباد والحكم الإنكشاري ،أي حكم الجيش، الذي ابتليت به فيما بعد الكثير من شعوب المنطقة من العهد المملوكي  إلى الآن

باختصار، هؤلاء الطغاة لم يلتفتوا نهائيا إلى مفهوم الديمقراطية، ولم يحاولوا قط تجريبها، لأنهم تشبثوا بما يُساير أهواءهم، ويتماشى مع جذورهم القبلية المتعصبة، ومع إرثهم الثقافي البدوي المتزمت والمنكمش على الذات… انكمشوا على الذات وقهروا شعوبهم إلى أن جاءهم الغرب، وهذه المرة لم يكتف بصفعة أو احتلال من أجل التحضر، وإنما مارس هو الآخر كل أنواع التخريب للحضارة، وكل أنواع التقتيل والتشريد وإرجاع هذه الدول إلى الحياة البدائية

إنها القيامة التي جرّها هؤلاء الطغاة إلى بلدانهم، وما ذلك إلا بسبب بداوتهم وتخلفهم العقلي، الذي جعلهم لا يدركون أنهم في القرن الحادي والعشرين، حيث العالم أصبح قرية واحدة، والسياسة فيه  ليست بالعجرفة والخطابة، والتحدي الأجوف، والعناد البليد، وإنما بالعقل والتريث والصبر، والرؤية المتبصرة، وعلى المدى الطويل

فماذا عن المغرب والديمقراطية والانفتاح وبناء الدولة العصرية ؟

إن التجربة المغربية في الحكم يمكن الاستفادة منها في المشرق وبناء الدولة على منوالها، وهذه التجربة ترتكز على ثلاثة محاور أساسية :الملكية الدستورية، دستور يتماشى مع روح العصر ومع الإجماع والتعدد والتوافق والتناوب، وتوزيع السلط.

كذلك، هناك ملك يجسم إمارة المؤمنين، ويحمي تحت جناحية كل التيارات والطوائف العقائدية والدينية، بمعنى يكون هو الضامن للتعايش والتساكن والتسامح بين جميع الديانات والفرق والملل والنحل السائدة داخل المجتمع، في إطار احترام التعدد والاختلاف.. إضافة إلى دوره التحكيمي  السياسي والعقائدي ..

ثم ديمقراطية تشاركية نواتها الأولى الجهوية،  ثم المجالس الحضرية والقروية، إضافة إلى المؤسسة التشريعية، البرلمان بشقيه السياسي والمهني

ونحن نعرف أن الملكية متجذرة في تاريخ المغرب، وأن ملوكها هم من آل البيت، شرعية دينية وشرعية سياسية… ومن حقنا أن نطرح السؤال التالي :ماذا لو عمّم هذا الشكل من الحكم على الكثير من البلدان العربية ، خاصة البلدان التي مزقتها الحروب والتطاحنات القبلية والعقائدية والطائفية ؟

مثلا، لو أعيدت الملكية أو تم إنشاؤها في  كل من العراق وسوريا، وفي ليبيا وتونس والجزائر حيث كانت الإماراتية، ونفس الشيء في اليمن والصومال والسودان ومصر، وحتى في فلسطين (حيث الأسرة الحسينية )

إن هذه الشعوب هي في حاجة إلى حكم دنيوي /ديني، يمثله ملك، وأمير للمؤمنين؛ ملك يحكم ويمارس التحكيم، وتسيّر البلد حكومة منتخبة من طرف الشعب عن طريق أحزاب سياسية متعددة ديمقراطية ومستقلة…والكل يعمل في إطار دستور تم عليه الإجماع من الكل وبدون استثناء..

هذا هو العلاج الفعال لكل مصائب الشرق العربي، وهذا الشكل من الحكم الذي يمكنه أن يقف في وجه التعصب القبلي، والتطرف الديني، وتعدد الطوائف العرقية والعقائدية، وأمام استحواذ الجيش بالسلطة لسنين طويلة وبطريقة استبدادية، ثم غياب الديمقراطية، ووجود دساتير لا تخدم إلا الحكم الفردي المستبد المرتبط بعبادة وتعظيم الشخصية

فهل العقلية العربية في المشرق قادرة على التفكير بطريقة منطقية وواقعية، مسايرة للعصر وللتطور الحاصل في العالم، وتبدأ ببناء ديمقراطية تتماشى والعقلية الجمعاتية للشعوب، المتناقضة مع عقلية التسلط والتحكم المستبدة بعقلية حكامها ؟

لقد كان الفلسطينيون ولازالوا يعرفون ما يريدون، وفي هذا الظرف بالذات، أما الفرد العربي من سوريا شمالا إلى الصومال جنوبا، ومن العراق شرقا إلى الجزائر غربا، لا يعرف ما يريد ! تراه مترددا ومتصارعا مع نفسه ومع الآخر، بين دولة ترجع به خمسة عشر قرنا إلى الوراء، دولة أوتوبية كانت تسمى دولة الخلفاء الراشدين، والآن ينادي بها  حزب يسمى الإخوان المسلمين، أم دولة لائكية علمانية، أم دولة ديكتاتورية يديرها العسكر ! هم الآن تائهون، ضائعون بين الاختيارات الثلاث، ولسان حال كل فرد في ذلك العالم الممتد حتى الحدود المغربية، يردد – وعلى عكس الشاعر الفلسطيني – ما قاله الشاعر:

إني لا أرى ما أريد

فقومي يرون بعين الزعيم

فهو الذي يرى ما يريد

وما يريده هو ما نريد

بالسيف

بالتهديد

أم بالترهيب

ولو ملأنا الدنيا صراخا وتنديدا 

فما يريده هو الذي يكون

وليس ما نريد !!!

 

عنون الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إحدى دواوينه كالتالي:”إني أرى ما أريد”؟

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button