مجتمعيةوطنية

العشر الأواخر.. تذليلٌ للمخاوف وتشْريبٌ للإيمان

إسماعيل هموني

 ما أن تحل العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل حتى ينخرط أهل التقوى في حدائق الرحمن،  بحثا عن رحمة الله وسكينته ، وسعيا إلى النهل من نفحات الله، ففيها تُشَدُّ المآزر ، و يهم الصائمون إلى الاعتكاف في حياض الله حتى يحسنوا توديع رمضان وتسليمه إلى كف من الإيمان والاحتساب لرب العزة.

 ينشط الكبار بالذكر ، وتفيض قلوبهم بالورع حتى يتنسموا بركات رمضان ، ويشجع الصغار على معانقة يوم من الصيام تذليلا لكل المخاوف ، وتشريبهم الإيمان ، حب شهر الصيام الفضيل. وهذا أمر عام وملحوظ في سلوك الصائمين خلال العشر الأواخر من شهر التقوى والفرقان.

 ولئن كانت هذه العشر المباركات عشر العتق من النار، واللجوء إلى الله طلبا لجنانه وظلال الوارفة يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالملحوظ في سلوك الكثير من عوائدنا أنها اختلطت بروحانية رمضان فأضحت من خصوصيات التَّدَيُّن ، وهذا فارق كبير بين أشكال التقرب من الله ؛ وهذا فَهْمُنا للدين ، وهو فهم قائم على التأويل والاجتهاد ، فإن وافقَ المعلوم من الدِّين فهو قائم عليه ، منصور به،  ومتواتر على تواتره؛ وإِنْ ابتعد أو شذَّ،  فذاك مرجوع عليه ؛ وهو ظني الاقتراب؛ ولا قياس عليه.

لهذا، فإن الأذكار ومُلاَزَمة المساجد، والإقبال على النوافل،  لا ينتهي بالعشر وبلا غيرها، وإنما هو ديمومة في السلوك؛ وتَزَوُّد من رمضان للاستمرار على نهج النبوة.

في العشر الأواخر من رمضان يظهر المغاربة سلوكا حميدة كالإحسان والعفو والصدقات، وصلة الأرحام؛ الإقبال الفطري على فعل الخيرات. وهذا ما عشته  وأنا طفل ويافع في أحضان الجنوب المغربي؛ في واد نون وبقية حواضر ومداشر الصحراء ترى الناس في تَوَادُدِهم وتراحُمهم يدا واحدة ؛ وبنيانا مرصوصا يشدَّ بعضه بعضا ، وتكمل لَبَانته واحدة تِلْوَ أخرى ؛ و تنسج عُراه خيطاً خيطاً  في تضافُرٍ بهيج  يسر العين ، ويمتع الوجدان

 في العشر الأواخر من رمضان ، في بلدتي /تغمرت/ كنا ، ونحن صغارا،  نصطف في الصلاة الجامعة مع الكبار؛ و نخدمهم فيما يأمرون، ونطير فرحا أننا بينهم نسمع محدثهم ، ونصغي إلى نقاشهم في  نازلة أو قضية خلافية ، فكنا نسمع من يعلم منهم من يُرَجِّح قول المالكية في الأمر،  ويستدل عليه بالأدلة الكافية.

ونعود إلى بيوتنا ونجد أمهاتنا، خاصة جدّاتنا، وقد أعددن لنا ما يَرَيْنَه أدعيةً مانعة لنا من الشرور؛  وحِصْناً حصينا من آفات الزمن وصُرُوف الدهر.

 ما أن تحل ليلة السابع والعشرين من رمضان ؛ تلك الليلة المقدسة،  حتى يعمُّنا الفرح ، وتغزونا روائح أطعمة كانت مُقَدَّرَة لليلةِ القدر، لِتُحْمل إلى بَهْوِ المسجد لتكون قُرُبات إلى الله،  واقترابا بين الأنفس ، وتشاركاً للفرح في إدراك ليلة القدر ، وطُهْراً من زلاَّت الألسنة وسُوء الظنون. فيها نطوف بين البيوتات ، نجمع ما تجُود به علينا الأمهات مما تَفَنَّنت فيه أناملهن من صنيع الطبخ؛ ثم نتابع قيام الليل إلى أن يأخذ منا النوم مَأْخَذه فنغادر الجامع مسرورين ؛ بعد أن كتبنا رسائلنا إلى الله أن يفتح علينا بالخير والْيُمْن و البركات ؛ وننام معتقدين أن طلباتنا وجدت باب السماء مفتوحا فيكون الخير صباحا  آو في أيام العيد

 تقبّل الله فرحة صيامكم؛ وعتق رقابنا ورقابكم من النار..آمين..

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button