وطنية

اعتماد إيديولوجيا “الرأسمال البشري” كبديل لحل أزمة التعليم؟

 

آسية إعلوشن(1)

الدكتور المهدي السرسار(2)

تقديم : بين الأزمة الخانقة التي يشهدها قطاع التعليم في الفترة الراهنة و الفشل الذريع الذي طال ولازال كل مشاريع الإصلاح المتعاقبة، أصبحت “المدرسة العمومية” بالمغرب كابوسا حقيقيا، لاسيما بالنسبة لأبناء الطبقة الفقيرة الكادحة،  وشبحا مرعبا يخيم على هذا الوطن منذ عقود خلت، الأمر الّذي دفع بالكثيرين للتساؤل حول مستقبل المنظومة التعليمية ببلادنا والمصير المجهول الذي ستؤول إليه الأوضاع، خاصة بعد أن تم الإعلان عن مشروع القانون~الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، المنبثق عما أطلق عليه ” الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030.

مشروع كان بمثابة صدمة وصفعة أيقظت الأسرة التعليمية من سباتها لتحيلها على واقع فظ زرع الشك في نفوس كل المغاربة ليبث فيها، من جديد، خيبة الأمل و فقدان الثقة بكل ما هو “إصلاحي”.فالإصلاح في عيون المواطنين معناه صياغة قوانين جديدة تعنى بخدمة مصالح فئة معينة دون أخرى، هدفها الوحيد “جني المزيد من الأرباح” ليس إلا، في محاولة خطيرة لمحو ما يعرف لدى القانونيين ب ” الشأن العام” أو ” المصلحة العامة “.

الكل يُجمع أن الوضع الحالي، أقل ما يقال عنه أنه كارثي، أحدث جدلا واسعا تمخضت عنه قراءات نقدية، نقاشات و سجالات شارك فيها الجميع ، كل حسب موقعه و انتماءاته الفكرية و السياسية و مكانته في المجتمع.

في ذات السياق، سنحاول، من جهتنا كقانونيين، تقديم قراءة نقدية نطرح من خلالها إشكالية هامة، يكون الهدف من وراءها البناء لا الهدم، نتساءل فيها،  وإياكم، عن مدى قانونية مشروع القانون ـ الإطار من حيث شكله و مضمونه، لأننا لمسنا ، بعد قراءة متأنية ، غيابا تاما لأصول و قواعد الكتابة القانونية التي على المشرّع المغربي، أولاً، أن يكون أهلا باحترامها؛ كما لا حظنا وجود مصطلحات دخيلة على المعجم القانوني كمصطلح “الرأسمال البشري” مثلا،مما حتم علينا التوقف،  ولو قليلا، لنتساءل عن نوعية الخطاب الذي يتبناه هذا المشروع؟ ما الأهداف التي يصبو إليها؟ هل أصبح المشرع المغربي يتبنى إيديولوجيا الرأسمال البشري كبديل لحل الأزمة؟  أسئلة  وأخرى نجيب عنها في هذا المقال عبر محورين:

1ـ  مدى قانونية مشروع القانون~الإطار رقم 51.17 من حيث الشكل

حسب المفهوم المتعارف عليه، يقصد بالقانون ـ الإطار، القانون الذي يضع “إطارا ” تحدد من خلاله المبادئ العامة و التوجهات الإستراتيجية الكبرى الرامية للإصلاح تليها،  فيما بعد، تدابير وإجراءات تحمل طابعا تشريعيا و تنظيميا و مرجعيا، يكون الهدف الأسمى من وراءها رسم الحدود و المعايير ،وحتى الكيفيات و الآليات التي تجعل من هذه الأهداف و المبادئ حقيقة جلية على أرض الواقع.  إلا أن مشروع القانون ـ الإطار رقم 51.17 بدَا ، للأسف،  بعيدا كل البعد عن هذا العرف من حيث الشكل.

 وحري بنا القول بأن المشرع المغربي،  لم يرسم ، في مستهل نصه،  أي إطار يستحضر من خلاله الوجه الحقيقي التي تبدو عليه المدرسة المغربية اليوم حتى يتمكن، فعليا، من رصد مكامن الضعف و الخلل ، ويضع نصب أعيننا الغاية التي خلق من أجلها والأهداف التي يروم تحقيقها، بل مر عليها مرور الكرام متجاوزا إياها و مكتفيا فقط بالرجوع تارة، إلى بعض الفصول و الأحكام الدستورية ذات الصلة بالموضوع،  وتارة أخرى بإحالتنا على عدد من الخطابات الملكية، مما يضعه أمام تساؤلات و استفهامات إن لم نقل اتهامات كثيرة : هل هو جهل أم تجاهل متعمد للوضع المتردي و الواقع المرير الذي تعيشه المدرسة العمومية ؟ 

يؤسفنا القول بأن النتيجة سواء في كلتا الحالتين. فإذا ما سلمنا بجهل المشرع بالصورة الحقيقية التي تعكس مدى الأزمة التي تعيق تطور المدرسة العمومية ببلادنا، فإننا بذلك نُفقده الأهلية و القدرة على صياغة حلول ناجعة توصل التعليم إلى بر الأمان. أما إذا ما افترضنا ، جدلا،  بأنه على اطلاع تام بالاختلالات وأسبابها، فإننا بذلك نشير إليه بأصابع الاتهام ونسا ئله ، بوضوح تام، عن نيته من وراء هذا المشروع.

با لحديث عن مدى قانونية القانون ـ الإطار من حيث شكله، فإننا نعتقد، اعتقادا مطلقا و جازما، أن المشرع المغربي ، بخروجه عن الشكل المتعارف عليه للقوانين ـ الإطارات ، وضع نفسه خارج الإطار القانوني؛ كما أن استخدامه لمصطلحات استمدها من المعجم الأدبي و إلاقتصادي المحض أفقده صبغته  بل حتى  قوّته  القانونية. فالنصوص القانونية تستمد ” قانونيتها” من الشكل و المضمون الذي يعبر عنه بلغة قانونية دقيقة حددها علماء القانون و اجتمع تحت مظلتها المشرعون.

2 ـ  مدى قانونية مشروع القانون ـ الإطار رقم 51.17 من حيث المضمون

إذا كانت الغاية من هذا المشروع التسليم بوجود أزمة حقيقية و تقديم حلول استعجالية و علاجية لها ، فإنه يتعذر علينا استيعاب المرجعيات التي يستند عليها.بعبارة أوضح، إذا كان المشرع يقر بفشل المنظومة التعليمية، المعمول بها حاليا،  فلماذا يستند على “مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بوصفه لا يزال يمثل إطارا مرجعيا للإصلاح ” ؟  فما بُني على الباطل فهو باطل! إذ كيف يمكن بناء مشروع جديد برؤية استراتيجية متجددة على أنقاض مشروع تربوي وتعليمي أقر الجميع بفشله على كل المستويات بمن فيهم المشرع نفسه؟  أ لا يشكل هذا تناقضا عجيبا يسجل ضد المشروع برمته؟

بالإضافة إلى التناقض الذي يعتري مضامينه، تطفو على السطح إشكالية أخرى ليس من الممكن غض الطرف عنها ، تتلخص في لغته. نجد، على سبيل المثال، في مادته الثانية المخصصة للتعريف ببعض المصطلحات، عبارات دخيلة تنتمي إلى الحقل المعجمي الأدبي و التربوي، ذات معاني سطحية،  لم يكن حتى من الداعي إعطاء تعريف لها. نذكر منها: “السلوك المدني”، “المتعلم”و”التعلم مدى الحياة”…

لكن أهم ما ميز مشروع القانون ـ الإطار هو الغموض الذي يلف مواده المتعلقة بتحديد الأطراف و الأدوار المنوطة بها في إشارة واضحة لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فنجد المشرع المغربي يقذف بالكرة يمينا و شمالا؛ تارة باتجاه ما أسماه ب “الدولة” دون أن يضع لها أي تعريف في المادة (2)، و تارة صوب الحكومة دون الإشارة إلى وظائف كل منهما على حدة وتبيان حدود تدخلهما المباشر في العملية الإصلاحية.

 خاتمة : هل تم اعتماد إيديولوجيا “الرأسمال البشري”كبديل جديد لحل الأزمة؟

إن الإقرار برسوم التسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى، وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، يُعد ضربا واضحا بمبدأ “مجانية التعليم “؛ كما أن التنصيص على مبدأ ” إلزامية التعليم”،  بعد إلغاء المبدأ المشار إليه آنفا،  و إحداث “صندوق خاص لدعم عمليات تعميمه… يتم تمويله من طرف الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء” ( المادة 44)، يحيلنا مباشرة على الركائز و المبادئ التي تقوم عليها نظرية ” الرأسمال البشري ” التي تهدف إلى الجعل من التعليم” استثمارا مربحا “، ومن العلم “بضاعة”،  ومن المتعلم “مستهلكا “،  و من الدولة “مستثمرا” .  وهكذا نكون أمام إيديولوجيا اقتصادية خطيرة جدا استطاعت أن تنقل “التعلم” من خانة “الحقوق” إلى خانة “الواجبات “.

إن استعمال المشرع لمصطلح “الرأسمال البشري” ،أكثر من مرة ،  يعزز بكل تأكيد مخاوفنا من تبني الدولة هذه الإيديولوجيا التي لن تحل إشكالية التعليم في بلادنا بل ستزيد، ولا ريب، الأوضاع سوءاً و الطين بلّة.

+(1) باحثة في مجال القانون الاقتصادي الدولي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بطنجة ـ جامعة عبد المالك السعدي.
+(2) أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة ـ جامعة عبد المالك السعدي

 

 

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button