ثقافية

الكوليرا الفكرية وفوضى النَّرجِسيَّة

د. عبد الكبير بلاوشو

حِينَ كَتَبَ “مَالِك ابْنُ نَبِي” كِتَابَه “العفن” ، ذكر في مُقدِّمته أنه لم يجد تعبيراً أو توصيفاً آخر بإمكانه أن يعكس ضَحَالَةَ المواقف والأحداث التي عَايَشَها و دُونِيَّة أصحابها الذين يدّعون الحكمة والخبرة تعَسُّفاً وتَطاوُلاً على المجال. فلو وجد عنواناً أدقّ تعبيراً و فصاحةً و معنىً لَكَان قد اختاره بِأرِيحيَّة؛ فَكَان أَنِ اسْتَمْسَك المُفكِّر “ذو النفوذ الكبير في عَالَم الفكر والقيم سِرّاً وعَلَانِيَّةً” بالعنوان العريض والدقيق إيَّاه رغم قَسْوَتِه و قوّة دلالاته عملاً بمنطوق الآية الكريمة: “يا يَحْيَى خُذِ الكتاب بِقوَّة”:

قُوَّةُ التفكير والتحليل والتقييم والتدقيق والتمحيص والتركيب والتقرير وووو… وليست القوة المُزيَّفة للمَرجِع “التَّافِه/التَّائِه” الذي قادَه مُورِيدِيه إلى الهاوية الوظيفية باتِّهاماتِه الخُرَافية والجزافية لكُلِّ المكوِّنات في غياب تَامٍّ لِدلائل قطعية قد يترتَّب عنها مُتابعات قانونية نظراً لِجَسَامَة الأضرار المعنوية والمادية في مقال صَكِّ الإتِّهام. وإننا إِذْ نُذَكِّرُك بهذا القَوْلِ حتى تستطيع “أيها الباحث عن الجُزَيْئِيَّات في ذَاتِك” ألاَّ تستَعْجِل أَمْرَك ومن وَالَاك، وأَنْ تَضْرِبَ أَلْفَ حِسَاب قبل التحريض والتشهير والتَّرامي على الكُلِّيات وعلى اللِّجان والأجهزة والأسياد ؛ ومن واجِبِنا في المهنة “النصيحة والتقويم إذا اعْوَجَّ المسلك واللِّسان”، والإِتْيَان بك طوعاً أو كَرْهاً إلى الدورات التكوينية كي تستفيد من المرجعية والمنهجية وتنظيم الخريطة المعرفية للعقل في أُفُق أَنْ “تَحْيَى يا يَحْيَى” حقّاً بكرامة وعِفَّة ومُرُوءَة وعُنْفُوَان. واعْلَم عِلْمَ اليقين أن الفجوة عميقة وقائمة بين “إنسان يَحْيى” (نسبة لمفهوم الحياة) أو يعيش (نسبة لِمعيشة المخلوقات من الزَّواحف والدَّواب) أو يمضي (نسبة لِصِنَاعة مَاضٍ  يَذْكُرُهُ وليست منشورات من الوَهْمِ تَصْنَعُه)؟؟؟

اليوم لا نجد تعبيرا عن الوضع المُعاش في الساحة سوى تعبير “الكوليرا الفكرية وفوضى النَّرجِسيَّة” التي أفرزها المستنقع اللأخلاقي السَّاكِن في الأذهان  والوجدان. فَقَلَّمَا يُوجَد صوت يُدافِع ويَسْتَمِيت في الدَّفْعِ بِاضْطِرَاد بمواقف و خيارات لا تتماشى مع الإِرادة الصَّادِقَة في الإصلاح ( فقدان الموازين، استهتار مهني، فساد أخلاقي، إفتراس خصوصي، عبث علمي، منشورات مشبوهة، تلويث الصِّفَة والوظيفة، أسماء مستعارة، منطق المقاهي ورصيف الأزقة، الاستحمام والاستجمام العلمي في دول المهجر بحثاً عن أرقى عِطْرٍ والدولار عِوَض التأليف والنشر، غياب القدرة على المرافعة وبناء تعابير مقنعة وجُمَل مفيدة، عدم الاتزام بمقومات المهنة ومستلزمات الوظيفة، استنزاف الموارد في المتاهي، التشهير بالأجهزة والمؤسسات ولائحة الحماقات تطُول…، تحريض الطلبة وتصريف الكتابات باسمهم بدون حياء وإستحياء والاختباء وراء أقنعة الصحافة والظهور بمظهر الفئران والأرانب. باختصار نحن أمام حالة نفسية مرَضِية أَتَت كحادثَة سَيْر إلى وظيفة التعليم العالي لدرجة انعدم لَدَيْها الإحساس بالمسؤولية و الجرأة في التوقيع الشخصي على عنوان أو مضمون كتابات فما بالك بمقال قد تكون له تداعيات قانونية!!!.).

بالله عليكم ،ماذا يعكس هذا النهج في التفكير والتعبير والتدبير أمام الأجيال الواعية من الطلبة؟.

هناك تفسير واحد يفرض نفسه بِتعسّف و عُنْوَة على النخبة المُزَيَّفة صانعة الوهم ، هو الإحتقار و الرغبة في الإنتقام مِمَّا تبَقَّى من الكتلة الحرجة الصادقة التي هي في الأصل مصدر السلطة الأخلاقية والمعنوية في الفضاء الجامعي.

فَيَا لها من مُفَارقة! نحن إزاء نَهْجٍ يعتمد المزاجية و الذاتية ، والسقوط بدل الاحترافية و المهنية بدليل إمعانه الدائم في إذلال الأجهزة والمؤسسات ومن خلالهما المساس بكرامة الانسان و استحكامه في ميكانيزمات الرِّيع وتوظيفه للوعاء الفيسبوكي في أفق الإبتزاز والمقايضة على المصالح الشخصية والاسترزاق خلف الستار الحقيقي للكواليس. هو نهج شمولي إقصائي، لكن دعائياً يصرف عبثه تحت يافطة الإنتاج العلمي المغلوط و المشوه،  وعلى أساسه تملّك القدرة اللّوبية/الذرية على منح وقطع الأرزاق والمناصب والأعناق. من هنا كان من الضروري بقاء العمل على تزييف الوعي الفردي و الجماعي و تشجيع الحريات الفردية حد الإفراط و الإنحراف.

 أفرزت قتامةُ المشهد مع دعاة الفساد والإفساد ممارسات للتحكم تراكمت حتى أزكمت الأنوف ، فاستيقظ الصادقون بصدقهم ذات صباح في شهر رمضان لِيُفَاجَؤُوا بِبُحيرة المِسك هي في الحقيقة مستنقع للكوليرا مملوء بالحقد و العناد والفساد و الريع و طغيان الأنا والتسلط الفئوي باسم التخصص. واقع تُرِكَ لِحَالِه منذ مُدَّة فَاسْتفَحل و تَضَخَّم و خَبُثَت مياهه و روائحه فكان أن صار مرتعاً للبكتيريا و الجراثيم، ظهر على إثْرِها البعوض و دخل ، بدون سابق إنذار ، في حروب و صراعات من أجل أفضل المواقع النَّتِنَة و من أجل مَواطِئ قَدَمٍ عَفِنَة لا فرق فيها بين الذكر والأنثى.

إنكم مسؤولون عمَّا قيل بهتاناً وزوراً في مواقع الأحداث المشبوهة يا صانعي الشُبهة والبحث عن المُتعة من خلال كتابات مجهولة الإسم والقيمة والمعنى، فطَهِّروا المستنقعات و جففوها لأنها مصدر الأوبئة و الكوليرا و البعوض.

فاللهم إنا نعوذ بك من الوباء و الغلاء و الغباء، والربا و الزنا و الزلازل و المحن ، و سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .إنه أول الدعاء في أول جمعة من شهر المناظرة : شهر شوال. آمين يا رب العالمين.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button