واحة الروح
إسماعيل هموني
لن تسعك الجغرافيا كما تسعك واحة الروح، فيها تركن إلى طمأنينة أوسع من كل كبرياء؛ وتشرب من عميق وجدانك سلسبيل أطيانك ؛ ولا يشربك عطش الهاجرة.
في واحة الروح تخلد مستسلما إلى لواهج اللهفة ، ولا تسندك وسائد التعب ، بل تجمح من تعبك إلى خفة الأحمال ؛ كأنك تزيح عن كتفك أرطالا من أثقال الليل .
تسمو بك واحة الروح إلى فرادة البقاء في شموخ الوقت ، وأنت سيد زمنك ، تشيد أركان وقتك بمشيئتك ، ولا راد لقضائك، تنفعل بما ينفعل بك ، و تنفعل بما يحلو لك ، وأنت فعل فواعلك ، وفاعل أفعالك؛ تروض كل شاردة وواردةبما تكونها لا بما تكونك.
على حافة واحة الروح يظللك نخيل وجدك ، وتشمخ في هامات روحك ، تتوغل في طيوب أنفاسك ، وترتقي معارج لذائذك ، ولا موانع تبعثر جموع يقينك. كل أزمة الوقت بين أصبعيك ، لك كاف الرضا ، ونون الكوثر ؛ إن شئت رضيت بالكاف ؛ فجاءك ما دونه يسعى ، وإن شئت ملت على النون تميل مع ميلان استدارتها تقارب بين أشلائها رتقا وفتقا ؛ وكل الخيوط من كبة حريرك.
هناك؛ تغفو باسما بين أورادك ، وكل نداء منك بمثقال أنفس من معادن الأرض ، كأن صوتك كوثر في أودية النعيم ، كل ضفافه زبرجد ، واستبرق من آلاء نبضك الرخيم. وحين توقظك لمسات أنامل الشغف ترى مسامات طينك تشهد لك بالفرح ، و تكتب لك بها بهجة في غد مفارق ليومك نصرا و خلودا في سرر لا يضارعها استواء أو انتشاء في وتائر النون.
في واحة الروح ، انت مسيد بالبيعة ، و مشهود لك بإفتاء شرائع الماء ، ناجز أمرك باتفاق الوجهاء نظرا و رأيا ؛ و لائط حبك في قلوب أهل العلا بالقبول والطواعية المثلى ، لاراد لحكمك إلا ما فاض عن عطائك حتى زاد عن كل مسغبة فأغنى و أروى ، وأضحك وأزهر في قلوب عطشى.
تلك واحة الروح التي فيها مقيلك ، وإليها سبيلك، وهي منتهى أوبتك ، ومغتسل حوبتك، فيها مضاؤك وقضاؤك، رافعتك ، ولباسك مهما استطال عراؤك..