ثقافية

الوطن وأسطورة العولمة

د. إسماعيل هموني

ما كان ليكون كفي أوسع من مطرة تسقي الارض؛ وتمضي في تكثير الغلال؛ لكنها أضحت بحجم الوطن، والوطن جد كل عولمة تمتص أمواه ذاكرتنا؛ وتحول رشاقة الانتماء إلى عود أسمر.

كلنا أطفال في كونية معممة ، نمتلك وحدة شعورية هي الوطن، نجول بأعيننا في رقعة واحدة، ونتعتع في كوكب لا نعرف عنه إلا اليسير؛ وقد أضحى تلعثمنا استيعابا ودراية
غير مسبوقة. إذ لم تعد الجغرافيا من ترصف الصفوف، ولا من تخلد بك في كلمات النشيد الوطني؛ بل الجامع هو إيقاع شمولي يبدأ من فسيلة محلية لا تفقد حسها الطفولي أبدا
مهما استوحشت العولمة في ضم المتناقضات في نسق فوضوي أنيق.

لن أكون نصيرا سوى للماء الذي خلفته في تلك المطرة حتى أينعت روائحها في ذاكرتي، ولن أغفل عن وطن طفل يند عن كل شرائع الملكوت الحداثي الذي يبوتق الوجدان في عمليات متساوية الأضلاع ، فتضيع طهارة الرائحة الأصيلة، وتذوب قداسة الرموز.

قد يصير الوطن الطفل أبا طاهرا وفيا لذاكرته الطفولية، وقويا بفرادة في الآن نفسه، يسري فيه مطر يتدفق حسا هينا يملك صوتا حالما يطول كل الأمزجة، ويفارق كل الأشباه والنظائر، في ثراء مبهر دافق بالمحبة وجموح الإنتماء.

العولمة أسطورة جديدة لها عسكرة المال و حنكة الاستقواء،تجتاح كل ميراث ، وتخترق أصل الكلام بما تريده لغة للوطن من غير جد معلوم ، ولو كان من زنيم أفطس الأنف، مجدوع الخدين. وهي بذلك حكاية جديدة ، ولغة ناشئة ،تبسط خيالها لأيتام الأوطان ، ليعم الاستخلاف الغامر بحد النار والسيف ، مع سطوة في صناعة الحياة على مقاسات معلومة بالتخطيط و التضليل.

صرنا أطفال السمسم ، والعولمة مفتاح كل قمقم ،الوطن فيها خديج لا ترقب فيه إلا ولاذمة ؛ و لها فيه كل وليجة ولو كانت
مهارة مسروقة من متحف قديم اسمه الوطن.

لن أكون فقيه أوطان، ولا مبخس وجدان لمن فاض حنينه لعولمة يراها النعيم والجنان، وماعداها يباب من خراب البنيان، ولكن أدنو من أذني لأهمس لي : شيد وطنك بالحب؛ ودع غيرك يقضم تفاح عولمته بما أوتي من أسنان…

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button