د.إسماعيل هموني
قال السارد : كنت أتابع رحلة المنفى ؛ وجدت النهر خلف أصابعي يشرب من عيون الغياب؛ لم أكترث لهديره؛ وواصلت العبور. هناك فتحت في المنفى السؤال: لمن يكون الألم ..؟
ليس المنفى دوما مؤلما ، بل هو حارس أمين للأنين ، يخزن ما لم يكنه الألم حينئذ حتى يقرضه للحياة ساعة العسرة.
الألم نعال لفردوس السؤال تمشي بك على حواف الوقت لتوصلك إلى كيمياء التعدد والبقاء في مفترق الطرق، لعل انوجادا يكون صوتك المسموع حين يختفي المعنى العميق للمنفى ، أو تتربص بك مواقيت ممقوتة بعيون يابسة لا تفيك حق التألم في خارطة ذهنك.
الألم غير الوجع، ولو صاحبك من المهد إلى اللحد، فالوجع علامة تظهر وتختفي في ذاكرة لا نسق لها، ويعلن استسلامه متى قاومته، او فاتكته ببلسم شاف.
أما الألم حمية في الجبلة، قائمة في المخزون من أنفاس الحياة، كأنه بوصلة تقودك إلى المكدود منك والمطرود من شواغلك. فلا تبرح أن تكون كائنا ما لم تكن متألما، فلا شفاء منه إلا به، و(داويني بالتي كانت هي الداء) ؛ كأن بك طفرة إلى الاستحمام به حتى تخلد نفسك الى الكدح والتعب ، وتلقي ببساطتك على وجهك لتأتي مقدودا من الألم.
بين المنافي والألم نسب وهندسة موت أو حياة، كلاهما يحمل وجه نقيضه حتى إذا تلاسنا ترافقا على سلم واحد، وصعدا في مسار واحد، ووضعا شامة واحدة على عتبات القمر.
كل صعب تشابك وإن تراخى في طوله؛ أضحى مثار ألم ؛ ونعمة قلق ختة يتفتق منه سؤال الأبد ؛ هل المعنى سليل النفي؟
كأنها مخابيء ألغام متوارية في سديم الألم لا حد لرهانيتها، ولا مدى لطيوفها في الأمد البعيد، المعلوم منها خفي حتى انبهم؛ والخفي منها مكشوف في المعلوم، ولا أصبع تبصمه، ولا عين تبصره.
قال السارد: هذه رؤية تخالف المعلوم من الأسفار؛ ولا تخشى أن تظل وحيدة بين الألم والمنفى.