ثقافية

الدار البيضاء:المهرجان الدولي للمسرح الجامعي ..إشعاع ثقافي متواصل

 إعداد : عمر شليح ـ و م ع

 ” المسرح مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة والثقافة والحياة ”، هي مقولة شهيرة للفيلسوف والمسرحي الفرنسي فولتير ، أدرك مؤسسو المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء بعدها الدلالي في الزمان و المكان ،و ألهمت فكرهم في التأسيس لتظاهرة ثقافية وطنية شقت طريقها نحو العالمية، وكرست موقعها كموعد قار ورائد في المشهد الثقافي المغربي منذ 31 سنة خلت .

نضجت تجربة المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء ، الذي يجدد بالمناسبة موعده مع عشاق أب الفنون في الفترة من 2 إلى 7 يوليوز المقبل، وأضحت، بإجماع المتتبعين للشأن الثقافي، إضافة نوعية متميزة للساحة الفنية وطنيا واقليميا و دوليا ؛ وأغنت ،بفضل فقرتها المتنوعة، الفعل المسرحي المنخرط في سؤال الشباب والتجريب والبحث العلمي و التجديد والانفتاح على المتلقي والتواصل معه من خلال الركح .

وعبر مختلف محطاته ،واكب المسرح الجامعي، في ثوبه المهرجاني، تحولات كبرى على المستوى المحلي والوطني والمغاربي والعربي والأفريقي والدولي عموما ، إذ بهذا الوعي والانتماء إلى الإنسان،بدون حدود جغرافية، اتسع حلم المهرجان وكانت استمراريته السلسة إلى أن بلغ اليوم المحطة 31 من عمره .

 كان ميلاد هذا المشروع سنة  1988، حيث تزامن ،وطنيا ومحليا ، مع مرحلة تحولية كبرى في التجربة المسرحية والإعلامية والثقافية والفنية بالمغرب، خاصة سنة 1986 التي أرخت لمحطة انطلاق ثقافي متميز بدءا من المناظرة الوطنية عن الثقافة المغربية بتارودانت التي خرجت بتوصيات كبرى، نزلت بشكل وبآخر وبشكل تلقائي في عدة مشاريع لعل من أبرزها ، المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء الذي انفتح على كل المكونات الفنية والثقافية بعموميتها .

تزامنا مع المرحلة الثمانينية ،عرفت البيضاء ميلاد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببنمسيك الدار البيضاء سنة 1984 ، التي هي نواة علمية تربوية راهنت في انطلاقتها على الفعل الثقافي، وكان لها ذلك إلى أن جاء مشروع المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء 1988، الذي تزامن ميلاده مع انطلاقة القناة الثانية و المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط ، وبروز تجارب مسرحية مغربية ك”مسرح اليوم” و”مسرح الثمانين” واللائحة طويلة.

كما تزامن المهرجان مع السنوات الأخيرة لبداية أفول مسرح الهواة، حيث جاء المسرح الجامعي ليس كبديل أو متنفس ، بل كمطلب ناضل من أجله جيل من الأكاديميين والمحترفين والطلبة والباحثين ،وكمشروع ثقافي عنوانه البحث عن الذات ، فكرسوا بالتالي ذواتهم لترسيخ تجربة هذا المسرح بالجامعة المغربية ، الذي ساهم في تحقيق قفزة نوعية للمشهد الثقافي الطلابي على مستوى الشكل والمضمون ، وشكل مدخلا ولبنة ترافعية لميلاد شعب فنية متخصصة ، وإجازات عامة ومهنية ، وماستر تم دكتوراه في التخصص داخل محراب ومدرجات ومختبرات الجامعة المغربية.

هي إذن ، كرونولوجيا وترابطات مختصرة تصل بنا إلى محطة ” المسرح والتغيير” ، وهي شعار الدورة 31 ، إذ يعتبر التغير خاصية المسرح في تاريخه ومجايلاته وتجاربه ومدارسه ورسائله وتواصله وتطوره ومواكبته وديناميكيته.

في هذا السياق، يرى عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ، عبد القادر كنكاي ، رئيس المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، أن شعار الدورة 31 ، “التي يبدأ بها العد للعقد الرابع من تجربة مسرح له علاقة جدلية بالطالب وبالبحث الجامعي والدرس الأكاديمي ، يأتي ليتواصل مع تاريخ تجربة مسرحية لها امتدادات في الزمن والمكان “.

ليضيف أن المسرح “يمارس فعل التغيير ، كما يمارس فعل التطهير والمثاقفة ، إذ نراه يواكب التجارب البشرية والإنسانية والتحولات الإبداعية والجمالية ، ويواصل الحوار مع المجايلات الفنية والإبداعية في مجال الإبداع ومرتبطاته والتلقي وتجلياته”.

ولاحظ أنه، خلال العقدين الأخيرين على المستوى الوطني والعربي والدولي، بدا أن التغيير “هو العنوان البارز في تجليات المسرح ومدارسه واتجاهاته وممارساته المتنوعة الفردية منها والجماعية العلمية منها والإبداعية والتي قادت وتقود العديد من الأسئلة حول دور وحدود وآفاق المسرح”.

من جانبه ، اعتبر الناشط المسرحي أحمد طنيش ، المسؤول عن خلية التواصل في المهرجان ،” أنه من خلال التواصل مع التجارب المسرحية والدراسات العلمية المنجزة حول المسرح التقليدي والحديث أو المعاصر، بات واضحا أن المسرح ،عبر العالم ، يواصل رسالة التغيير على مستوى الأنماط والأشكال والمقومات” ، مبرزا أن خاصية التغيير تبقى “لصيقة به من خلال أثره وفرجته على عدة مستويات ، ومنها المجال الاجتماعي حيث ساهم ويساهم المسرح في تغيير الرؤى والعقليات والسلوك “.

في ظل هذا التغيير المنهجي والفني والإبداعي والسوسيولوجي ، يضيف طنيش ، تأتي نظرة البعد الأكاديمي الذي يمثله درس المسرح الجامعي الذي يتعامل ويدرس الحالات ليبني تصورات جديدة ،و بالتالي “يواكب الصيغة المتغيرة والمتطورة والاسهام في التنبيه إليها وخلق فاعل يساهم في حركيتها”.

وخلص إلى أن الدورة 31 من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء” تطرح إذن شعارا دالا وتلخيصيا واستشرافيا يتمثل في المسرح والتغيير، وضمنه أسئلة إشكالية: تغيير ماذا؟ وكيف التغيير؟ و لماذا التغيير ؟”، مؤكدا أن الجواب عن هذه الأطروحات سيترك لفعاليات المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء .

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button