ثقافيةمقالات رأي

“كفاني من علمك يكفوني”

عمر الطيبي

 

حدثني رفيق أيام الجامعة، أنه أثناء بحثه ورفاق آخرين عن سكن بأحد الأحياء الشعبية بالرباط،  عثروا على محل سمسار عند مدخل دوار صفيحي وقد علقت على بابه يافطة كتب عليها : ” سمسار، وحجّام، وختان للدراري فقط”، ضحكنا على الطرفة ونسينا الموضوع.

 بعدما فرقت سبل الحياة بيني وبين رفيقي في الجامعة، حدث، بعد نحو ثلاثين سنة، ما ذكرني بطرفة السمسار الشعبي، متعدد الاختصاصات.. فقد ظهر هذه الأيام ” باحث” مغربيمشكاك” تجاوز في “شكه” حدود “كوجيتو” الفرنسي روني ديكارت، وبز بشكه المصري طه حسين الذي مات وفي حلقه شيء من الشك في الشعر الجاهلي؛ وقد أصبح “باحثنا  من فرط شكه لا تمر عليه أيام معدودات إلا ويطلع بشك من الشكوك إياها يلقي به في جنبات الفضاء الأزرق، وعليك يا الله!!.

 بل ان صاحبنا دفع ب”البوز”  ( buzz ) إلى أقصى مدى يمكن أن يصله شك أومشكاك، من حيث أعلن أنه لا ولن يعترف بوجود خليفتين للرسول محمد يدعيان على التوالي أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر ابن الخطاب، إلا لمن يمده  بوثائق مادية ملموسة تعود لتلك الحقبة، وتدل على وجودهما المادي الملموس.

 لكن ،والحق يقال، لم يذهب ، “باحثنا النحرير” إلى حد المطالبة بنسخ من رسم الولادة صادرة عن مقاطعة قريش الغربية تقر بولادة الرجلين في آم القرى، أو بوثائق مصادق عليها من المقيم العام البيزنطي في الشام، تؤكد تابعيتهما لسلطته آنذاك، بل لفرط تفهمه وجوده ومرونته ترك الباب مواربا لاجتهادات من يقبل التحدي من الباحثين الفقهاء.

 شخصيا ، قلت مع نفسي، ليس هناك من مشكل ، فالشك منهج أصيل في الفلسفة والعلوم الحديثة، ومن حق الرجل أن يمارس البحث العلمي بالطريقة التي يراها مناسبة، بل أن يعلن نتائج بحثه على الناس حتى ولو كانت هذه النتائج ماسة بشعور بعض المسلمين، فالأصل هو الحرية والباقي فروع.

 ولأن للرجل سابقة في الشك في وجود الإمامين البخاري ومسلم وفي صحيحيهما، فإن ما استوقفني في الموضوع صراحة، هو التساؤل بخصوص الجامعة أو المؤسسة البحثية التي مارس أو يمارس فيها هذا الباحث المغربي بحثه قبل أن يلقي به على مسامع وأنظار الناس: هل هي في المغرب أم في الخارج؟ علمية أم أدبية؟؟.

هنا بالضبط اكتشفت ما لم يدر بخلدي ولا كان عندي في الحسبان، هو أن صاحبنا المشكاك، لم يدرس في جامعة ولا اشتغل في أية مؤسسة بحثية، وكل ما في الأمر أن الرجل تجاوز صاحبنا السمسار في الجمع بين “تخصصات” شتى ليس بينها البحث العلمي أو الفلسفي الجدير بهذا الاسم بأي حال من الأحوال.   

 هذا ” الباحث” المزعوم، الذي لا أريد أن أكرمه بذكر اسم، هو وفق التعريف الذي يقدمه عن نفسه ..

* كاتب وصحافي وشاعر وباحث مغربي (هكذا في البروفايل)

* صحافي بجريدة تابعة لحزب إداري لا يقرأها أحد

* مدير نشر مجلة أسبوعية لا يعرفها أحد

* رئيس فيدرالية وطنية للفنون، الله أعلم بأمرها

* لا يعترف للمؤرخين بوجود أبي بكر وعمر، إلا بعد تقديمهم لوثائق مادية ملموسة

* أي والله.. وإن لم تستح، فافعل ما شئت!!

                    ++++++++++++++

نقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان أنه زاره في جامعه ببغداد أحد السفهاء المتعالمين، وشرع يخوض معه في معارف شتى بدون ما رابط يجمع بينها، فاستضافه الإمام في بيته لحاجة في نفسه، فلما طفقا يتناولان الطعام توقف الضيف فجأة، فخاطبه المضيف:”كل يارجل .. !” فما كان من الأول إلا أن رد عليهلا.. يكفوني“.

 هنا أطلق أبي حنيفة النعمان قولته الشهيرة ” كفاني من علمك يكفوني .. وحان لأبي حنيفة أن يمد رجليه” !!

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button