قضايا وحوادثمجتمعية

ذوُو الاحتياجات الخاصة بين محنة الإعاقة وألم النكران

سهام التويزر 

يتعرض الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كل يوم للتمييز، ولعوائق تقيد مشاركتهم في المجتمع على قدم المساواة مع غيرهم؛ فهم يُحرمون من حقوقهم في الاندماج في نظام التعليم العام ، وفي التوظيف، و في حرية التنقل، وفي المشاركة في الأنشطة الرياضية و الثقافية ، وفي التمتع بالحماية الاجتماعية ..

فالإنسان سواء أكان من ذوي الاحتياجات الخاصة أو لا،  له الحق في الحياة و التعليم و العمل. وهذه الحقوق لا بد أن تكفلها الدولة، مع الحرص على ألا تسمح لأحد بالمساس بها .

إن الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على الانخراط في مجتمعهم وإثبات ذواتهم . فمن خلال دعم الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ومساندته يستطيع أن يقدم لمجتمعه الكثير من العطاء.

شفقة الناس تحبطني

ثرية ..شابة في مقتبل العمر ، أقعدها المرض على كرسي متحرك  . تحدثت إلينا ، بصوتها الذي تغلب عليه نبرات الحزن، عن الظروف الصعبة التي عانتها لإيجاد عمل بعد سنوات من البحث، حيث عملت سكريتيرة في مكتب أحد المحامين. وعند سؤالها إن كانت قد لاقت صعوبة في ممارسة مهنتها، أجابت أنها كانت تمارس وظيفتها على أكمل وجه غير أن  ما كان يصيبها بالإحباط نظرات الأشخاص لها بنوع من الشفقة تارة ، والاستغراب تارة أخرى .

بسبب إعاقتي لا قيمة لي وسط المجتمع

يقول مهدي ذو 18 سنة بعد سؤاله عن سبب انقطاعه عن الدراسة، وهل كان للإعاقة التي أصابته،  دور في ذلك ؟

كأغلب التلاميذ في سني الذين ينحدرون من أسر فقيرة، كنت أستغل الصيف في مزاولة إحدى المهن، و كنت أفضل النجارة “حيث كتعجبني ديك حرفة بزاف “، لكن للأسف أثناء عملي في إحدى محلات النجارة المنتشرة بالقرب من مقر سكني، تعرضت  لإصابة أثناء قطع الخشب نتج عنها بتر يدي اليمنى، وهو الأمر الذي عجل بمغادرتي لمقاعد الدراسة من السنة الثالثة إعدادي بسبب أني وجدت صعوبة في الكتابة بيدي اليسرى، وتعرضي للتهكم من طرف زملاء القسم: “كنت نجي نكتب بيدي ليسرية،  و كنت كنلقا صعوبة نشد ستيلو بيها و نكتب، وكانت أستاذة تتقولي واش هدا خط تلميذ في التاسع إعدادي ودراري تيضحكو ، تعقدت و خرجت من لقرايا”.

 و عند سؤاله عما يقوم به الآن،  وهل حصل على تعويض عن حادث الشغل بعد تعرضه للإصابة أثناء مزاولته للنجارة ؟ أجاب مهدي ” لم أحصل على أي تعويض.كنت أمارس هذا العمل في محل لا يتوفر على أدنى درجات السلامة و التـأمين، أما هذه اللحظة فإني أشعر مجرد شخص إضافي ..فهذا العالم لا يقدم شيئا خاصة لمساعدة أسرته الفقيرة . ” تنحس براسي معنديش قيمة فهاد لبلاد، تا والديا مكنلقاش باش نعاونهم “.

الإهمال و التهميش الصحي

فاطمة تبلغ من العمر 47 سنة، تزاول مهنة الخياطة.. صادفتها في أحد متاجر بيع الأثواب بدرب عمر . ألقيت عليها التحية فإذا بها تجيب بصوت حنون ” و عليكم السلام أبنتي “. كانت سيدة متوسطة القامة، سمراء اللون، ترتدي جلبابا مزركش الثوب ، و تضع حجابا أسود اللون على وجهها الذي كان يتصبب عرقا بسبب حرارة الجو، قمت بسؤالها لتجيب بحزن أن لها طفلا معاقا حركيا منذ الصغر ، يبلغ من العمر  12  سنة .

 فاطمة تجد صعوبة في التوفيق بين الاعتناء بابنها وأدائها عملها ، خاصة أنها امرأة أرملة تعيل  3 أبناء، و مدخولها اليومي من الخياطة لا يكفيها. تضيف قائلة: ” مخليت تا باب دقيتو و كاع الجمعيات مشيت ليهم ، و لكن مكنلقا تا دعم و لا مساعدة ” .

تشتكي فاطمة من غلاء الأدوية و الحفاظات التي تستعملها بشكل يومي لابنها، و كذا من غلاء حصص الترويض الذي يحتاج لها  مرتين في الأسبوع على الأقل،  و لعوز الحالة المادية ، لم يمارس ابنها ، منذ سنوات ، أي حصة ترويضية . تقول بصوت تعيس و ملامح متعصبة : “الدولة مكتقدم تا يد مساعدة لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة، والشخص المعاق في المغرب كيكون مهمش من ناحية التعليم و التطبيب والدعم المادي. إذا كانت الأسر ميسورة الحال راه كتقدر تحقق  حاجيات ولدها  المعاق.. لكن أسرة فقيرة بحالي كتعاني  و ربي معين ليها” .

الحرمان من حقي في التعلم و التنقل

يعتبر عبد الرحمان حالة من بين ألاف الحالات من الطلبة المكفوفين الذين يعانون من الإقصاء  والتهميش داخل المجتمع . انقطع عن الدراسة ليعمل كبائع مناديل ورقية قرب مقر البرلمان بالرباط. بعد فتح حوار معه عرفت انه عجز عن الاستمرار في  دراسته الجامعية  بشعبة الآداب  منذ 3 سنوات بسبب صعوبة التنقل في المواصلات العامة، و إكراهات متابعة وتيرة الدروس الجامعية في ظل غياب مراجع مكتوبة بطريقة برايل و أشرطة دروس مسجلة،  بالإضافة إلى معيقات أخرى جعلت من متابعة الدراسة له  أمرا صعبا و التفوق فيها  شيئا مستحيلا ..ليستطرد قائلا  بصوت حزين : لم نكن نستطيع نحن المكفوفون تدوين الدروس بينما الأستاذ يلقي المحاضرة، لأن  الكتابة بطريقة برايل بطيئة  شيئا  ما .

نظرة المجتمع حول زواج المعاقين

رضا و منى زوجان مقعدان في مقتبل عمرهما، تزوجا عن حب بعد تعارف دام لمدة سنة. تقول منى ذات 25 سنة، صادفت رضا في معهد لتعليم الموسيقى، كنت مولعة بعزف البيانو و بعد فترة وجيزة زاد تعارفنا و جمعت بيننا عدة هوايات و اهتمامات مشتركة.

ليقاطعها رضى قائلا: أول ما لمحت منى أثارت إعجابي بابتسامتها الدائمة، و مما زاد تعلقي بها أكثر عزفها الجيد على البيانو . طرحت بعض الأسئلة  عليهما حول نظرة المجتمع لزواجهما، و كذا ردة فعل أقاربهم حول هدا الزواج، ليجيبا بابتسامة عارمة: “ان النظرة في مجتمعنا هي نظرة معيقة للزواج، تحدينا الصعوبات الاجتماعية  وعلاقتنا القوية جعلتنا لا نأبه لنظرة المجتمع الخاطئة،  أما بالنسبة لأفراد عائلتنا وأقاربنا فقد دعموا اختيارنا ولم يقفوا عائقا أمام رغبتنا .

أضافت منى :” أنا سعيدة بزواجي، و إعاقة الجسد لم تكن يوما عائقا  في بناء أسرة : ” كنتمنى من أي بنت أو ولد في وضعيتي يلقاو شريك حياتهم يبغيهم و يتقبلهم رغم إعاقتهم ، و نقولها و نعاودها الإعاقة هي إعاقة الفكر ماشي الجسد “، قبل أن تستطرد قائلة  “و كنتمنى من الله يرزقنا الذرية الصالحة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button