سياسية

“الفلاشا”بين أحلام أرض الميعاد وواقع العنصرية والاستعباد

 

عمر الطيبي

 

لِفَهْم ما يقع بين يهود الحبشة-الفلاشا والمؤسسة الكولونيالية الصهيونية العنصرية من صراع صامت أحيانا،  ومواجهات متفجرة أحيانا أخرى، لا بأس من العودة قليلا إلى الوراء، حيث كان هؤلاء آخر مجموعة عرقية يهودية تُرَحِّلها هذه المؤسسة الاستعمارية، من وطنها الأصلي إثيوبيا إلى أرض فلسطين المحتلة، بمبررات الخرافات التلمودية الكاذبة المعهودة، أي بتفعيل الادعاء المعروف بان الأمر يتعلق بعودة هؤلاء اليهود ” المساكين ” إلى “أرض الميعاد …أرض اللبن والعسل .. أرض آبائهم وأجدادهم قبل ثلاثة ألاف سنة”.

“يهود الفلاشا” في مواجهة العنصرية الصهيونية

حدث ذلك في ظل ظروف واعتبارات متعددة منها ..

* الرجة التي عانى منها المجتمع الصهيوني بفعل الانتصار العربي النسبي في حرب أكتوبر 1973 ،  حتى ولو أن النظام العربي بدد في نهاية المطاف نتائج  هذا الانتصار، خاصة على الجبهة المصرية، يضاف إلى ذلك الضربات التي كالتها له المقاومة الفلسطينية في حينها، مع ما رافق ذلك من زخم تضامني عالمي مع هذه القضية العادلة.. وكان من نتائجه المباشرة ظهور حالات هجرة مضادة، من وإلى خارج أرض فلسطين المحتلة، بحيث بات الاحتلال يخشى من تطور الظاهرة  إلى عملية استنزاف لمخزونه البشري المحدود.

* قرب استنفاد الاحتلال لاحتياطه البشري اليهودي العالمي، خاصة بعد استقدام الجزء الأكبر من يهود الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي خلال عقدي السبعينات والثمانينيات.

* تزامن هذه الفترة في إثيوبيا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد، على عهد الإمبراطور هيلاسي لاسي، والطغمة العسكرية التي حكمت البلاد من بعده، يضاف إليها الحروب الأهلية المحلية والثورة الإريترية على الاستعمار الإثيوبي، مما ترتب عنه أزمة إنسانية خطيرة عكستها مجاعة طاحنة مستديمة، وتفشي الأمراض الفتاكة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفئات الفقيرة والأقليات العرقية والدينية، من بينها تحديدا أقلية الفلاشا اليهودية العريقة في البلد.

*استغلال المؤسسة الكولونيالية الصهيونية العنصرية هذه الشروط، والسياقات الإقليمية والدولية وكذا التواطؤ الرجعي، لتنظيم عمليات اقتلاع وترحيل ممنهجة  للفلاشا عبر الأراضي السودانية، بتواطؤ مع نظام الدكتاتور البائد جعفر النميري ، مقابل عملات مالية للدكتاتور وحاشيته المقربة.

* كانت غاية النظام الكولونيالي الصهيوني العنصري من جلب هؤلاء الفلاشا هو استخدامهم أداة لقمع كفاح الشعب الفلسطيني، ووقودا لحروبه الظالمة والدائمة على الشعوب العربية، خاصة على الشعب الفلسطيني، وتوفير اليد العاملة الرخيصة لبناء مشروعه الاستيطاني.

* هذه الأهداف على فداحتها لم تجعل الصهاينة يخفون منذ البداية ممارساتهم العنصرية،  ولا تراجعوا عن تعاليهم الأصلي ضد هؤلاء اليهود الأفارقة السود، فجعلوهم  منذ البداية، في آخر قائمة أولوياتهم واهتماماتهم البشرية، بالمقارنة مع المجموعات اليهودية القومية الأخرى، وهم إلى ذلك يشككون حتى في يهوديتهم، لدرجة أن بعض الحاخامات المتطرفين، دعوا إلى إعادة تهويدهم، بل حتى إلى إعادة عمليات ختانهم، وفق الشريعة اليهودية الصهيونية.

وقد وجد الفلاشا أنفسهم ، منذ وطأت أقدامهم أرض فلسطين  المحتلة، ضحية ممارسات عنصرية وتمييزية مقيتة، شملت مختلف جوانب حياتهم، فهم يعانون من أعلى معدلات البطالة، ومحرومون من تولي الوظائف السامية، واغلب القطاعات التي يستغلون فيها تقتصر على سلك الشرطة والجندية في جيش الاحتلال  إضافة  إلى ممارسة بعض الأعمال التي يعتبرها المجتمع الصهيوني أعمالا وضيعة.

وبفعل الاضطهاد العنصري الصهيوني ، ارتفعت،  في صفوف الفلاشا ، نسبة الجانحين والمنحرفين، وضحايا الاضطرابات العقلية والنفسية. لذلك يمكن القول أن قتل فتى منهم،  في الأسبوع الماضي، بإطلاق رصاصة على رأسه من طرف صهيوني أبيض بدون سبب معقول، ليس سوى القطرة التي أفاضت كأس غضب الفلاشا الكامن منذ عقود، وتعبيرا صارخا عن خيبة أملهم في المشروع الصهيوني العدواني العنصري الكاذب.

تزامنت انتفاضة الفلاشا ضد الصهاينة مع النهضة التنموية الشاملة التي يشهدها حاليا بلدهم إثيوبيا، وشروعه في إقامة نظام حكم ديموقراطي حقيقي، تستفيد منه جميع مكونات البلد الإثنية والدينية على قدم المساواة.

ولعل هؤلاء الفلاشا يدركون، والحالة  هذه، أنهم لن يحصدوا من الصهيونية سوى هلاك طائفتهم، ودمار مجتمعهم، أو لعلهم  يعون أهمية العودة إلى بلدهم إثيوبيا الذي ليس لهم بلد غيره، من اجل لمشاركة في بناءه والاستفادة من خيراته ونظامه الديموقراطي إلي جانب بني جلدتهم من الإثيوبيين، وبالتالي ترك فلسطين للفسطينيين، باعتبارها بلدهم الوحيد الذي ليس لهم غيره، وهذه قضية تحتاج، في الحقيقة، لعمل جبار، دؤوب وصبور ، من قادة فلسطين، ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية، عمَلٌ موجه للدولة الإثيوبية، ولْمَ لا للفلاشا أنفسهم.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button