ثقافيةمقالات رأي

الكرة “أفيون” الشعوب

د.إسماعيل هموني

لو قدر لكارل ماركس أن يحيا ويعيش مقابلات كرةالقدم ؛ لغير مقولته التاريخية: “الدين أفيون الشعوب”، إلى أخرى جديدة قائمة على المتابعة والاستنتاج ؛ وهي “الكرة أفيون الشعوب؛ وعقيدة من لا عقيدة له”.

أضحت اللعبة عقيدة في شريعة المناصرين والمتابعين لها؛ تعقد لها مواسم حج عالمية و قارية؛ وتخصص لها الميزانيات التي تقضي على التخلف والفقر، لو صرفت في محاربتهما؛ و تضرب لها المزادات العلنية ؛ و ترتفع أسهم اللاعبين والمدربين إلى درجات خالية من موال يصعب التلفظ بها لثقلها على اللسان ؛ ورجاحتها في الميزان.

 تقام لها الفضاءات ؛ ويتفنن المهندسون في تشبيكها وتخطيطها ؛ و رسم أبنية لها تكاد تطاول عنان السماء ؛ بعد أن أفرشت الأرض خضرة ولو كانت على تخوم الربع الخالي.

بها تعرف الأوطان ؛ وتنشد لها حناجر الجماهير أناشيد الفخر والامتنان، بزهو الفاتحين ؛ وفي ذلك يتنافس المتنافسون من ألتراس، ومنافحين بشعارات تهز أركان كل بنيان؛ يحفظها الصبية وصغار الولدان قبل الراشدين من كهول الزمان.

لهم علامات، وريايات، وطبول ،ومزامير، وألحان. يزمجرون ساعة العسر ؛ و يفرحون طربا بما في اليد من كأس أو قربة ماء ساعة اليسر. تسعفهم قنوات تلفزية ترصد لها أرصدة فوق الحسبان مع دهاقنة في تمرير الكلام ، و تجويد السلعة في الإعلان؛ منهم المختص في الركلات و الضربات الحرة الثابث منها والمتحول؛ ومنهم المتتبع لكل خطوط الميدان يقرأ الخطو بتكهنات تصيب وتخطئ حسب زاوية النظر ؛ والمتوضع في المكان. تراهم تبعا يحسبون كل صافرة حكم نداء أو إنذارا لحق تبينوه أو تعجلوه ؛ فراحوا يحللون الريح للريح في مهب هجمة السيقان على جلدة متوسطة التكور و النفخ بين أخذ ورد ؛ و بسط وشد ؛ و جزر ومد ؛والناس بينهم في انتباهة و سهو ؛ الكل بين المزاج والوجد لا يغرف سوى من معينه الفرد.

والغريب الذي لا يريب ان جلود المتدافعين حول الكرة لوحات من تشكيل الوشم والوسم ؛ كأنهم في حظيرة من المخلوقات النازلة من كوكب غير الكوكب؛ حتى النعوت للفرق المتبارية آتية مم عالم الحيوانات البرية والمدجنة على حد سواء من الأسود إلى الجديان ؛ والصقور ؛ والعقبان؛ والديكة و الطواحين، وعالم الجن ؛ وغيرها من الرقصات المحققة لعمق الانتماءات من طانغو ، وسامبا، وما إلى ذلك من مكنون النفس ، وخفايا الكهنوت.

هذه العقيدة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وأضحت علامة فارقة في حياة اليوم، هل باتت مسارا جديدا لا تعلم نهاياته، ونقلة روحية وفكرية في نظام بدا قبل العولمة مع الرأسمالية المتوحشة ، و مازال يصاحب الحداثة وما بعدها في عالم تطبعه فوارق اقتصادية وحضارية ؛ وتتعمق فيه الاختلالات بين الشعوب على إيقاع كرة القدم. ولم يعد للشعوب المقهورة من كارل ماركس جديد أو قديم يعيد ترتيت حجارة الفلاسفة في تفكيرها.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button