ثقافية

سرقات موصوفة بدون…عقاب

حمادي الغاري

فكرتان أساسيتان أثارتا انتباهي من بين الكثير الكثير من الأخبار والتعليقات والتدوينات التي يحملها ويحفل بها الفضاء الأزرق بدون أن يئِنَّ أو يتبرم أو يرِفَّ له جفن؛ وكيف له ذلك وهو مجال واسع وعريض يبث فيه أصحابه والمتحكِّمُون فيه … ما يشاؤون من معلَّبات وعصائر تخدير وتضبيع وتعليب بكامل الحرية والاطمئنان ، ونحن ـ شعوب البلدان المتخلفة ،أو في طريق النمو، أو الصاعدة (إلى أين؟) ـ المغلوبون على أمرهم ، نَلْتَهِم ونزدرد “حلويات وشوكولاطة” “الفايسبوك”و”التويتر”.. ومن ينتسب إليهم بالْقُربى أو الصُّحْبَة أو الزّمالَة.. يصنعون عالَماً آخر، على مَقاسِهم وذوقهم ورؤيتهم.. ونحن عاكفون على تناول ما يقدمُّونه لنا بإدْمان مثير؛ عالَمٌ مختلف جذريا عن العالم الذي كنا نعيش فيه بالأمس القريب؛ عالَمٌ تسود فيه الأنانية والفردانية والنرجسية بشكل فظيع من فرط  إقبالنا المثير على وجبات “الفايسبوك” وما جاوره ..لنقع أو سنقع ، في أقرب وقت ، صَرْعَى بين أيدي هؤلاء الذين تمكنوا من رسم ملامح خريطة عالم الغد الذي لن يكون لنا أو لأبنائنا وجودا فيه . ولعل أشْراطُ هذا الغد بدأت تلوح من بعيد .. وهي تقترب.. وإنّ غداً لَناظره قريب.

فكرتان تلتقيان عند كلمة واحدة وموضوع أوحد. هي اللصوصية. لنقرأ :

يوجد في الحياة نوعان من اللصوص: اللص العادي هو الذي يسرق لك مالك، وحقيبة يدك،  ومحفظة نقودك، وهاتفك النقّال أو الجوّال (تشابهَتْ الأسماء علينا) ودرّاجتك، و…اللص الثاني هو اللص السياسي  الذي يسرق مستقبلك، أحلامك، خبرتك، أُجْرتك، تعليمك، صحتك، قوَّتك، ابتسامتك

الفرق بين اللّصَّين أن اللص الأول ، عادي وصغير، يختارك ويتتبّع حركاتك وسكناتك ليسرق لك ما يوجد بين يديك، بينما اللص الثاني ، وهو غير عادي وكبير ،فأنت الذي تختاره ليسرقك. وإذا كان اللص العادي ـ الصغير ـ تطارده الشرطة، فإن اللص غير العادي ـ الكبير ـ تجده في غالب الأحيان مَحْمِي من طرف الشرطة.

هذه الفكرة قالها كاتب غربي، ربما لا يعرف واقع المجتمعات المتخلفة وتلك الغارقة في التخلف، لكنها جدّ معبِّرة عمّا يجري فيها.

العجيب أنه لا يخلُو بلد من بلدان الحياة الدنيا من هذين النوعين من اللصوص. يعيشون بيننا، يتجوّلُون بيننا، يتعاملون معنا.. منهم مَن  أَلِفَ عملية الذهاب والإيَّاب إلى السجن مرات عديدة في العام الواحد، ومنهم مَن دأَبَ على رحلة الشتاء والصيف مِن وإلى السجن؛ لا يكاد يغادره إلا ويشُدّه الحنين إليه.. ويقترف أيّ شيء ليعود إلى معقله..

لعل أخطر اللصوص هو ذاك الذي يسرق لك حاضرك ومستقبلك، بما فيهما من ابتسامة وحلم وطموح وتطلُّع وكفاح ومعاناة وألم.. بِاسْمنا يعيش هؤلاء اللصوص بين ظُهرانَيْنا ، وعلى ظهورنا .. يسرقون ويأكلون متاعنا وحقوقنا ، ونحن نعرف أنهم يسرقون ويهضمون أخضرنا ويابسنا.. وأكثر وأكبر ما نفعل هو التنديد .. التنديد… والزعيق .. والنهيق ؛ نظل نردد صيحاتنا في واد بدون أن تحرِّك شعرة واحدة في رؤوسهم.. وحين يريد النظام الحاكم ـ أيّ نظام ـ إظهار جِدِّيَته و”حَنّة يده”، يبادر بالتضحية بكبش من أكباش الفداء، ويجرجر لصا من اللصوص الكبار أمام المحاكم.. فتتم الإدانة؛ ثم السجن بدون أن يعرف أحد حتى عنوان السجن ولا موقعه على الخريطة.. وقد يخرج من دون أن يعلم أحد بذلك. وحتى إذا ظل قابعاً في زنزانته، فإنها ليست كسائر الزنازين..

مثل هذه الظواهر توجد في أيّ بلد، لكن ظاهرتهم تكون أكبر وأقبح وأفظع في البلدان المتخلفة أو تلك التي يغازلونها بعبارة “السائرة في طريق النمو”. فهل مثل هذه الظواهر تساعد البلد على النمو؟

                         +++++++++++

هناك لصوص آخرون ، من طبيعة وطِينة أخرى. هؤلاء يسرقون وطنا بكامله ؛ يطردون ويقتلون ويتعسفون على شعب بأكمله؛ يفرضون وجودهم بالاحتلال والقوة والغطرسة والقمع  والنار وما شئت من طُرُق الاختطاف والاعتقال  والاغتيال بأبشع الوسائل وأَقْذرها وأفظعها.. وما جرى ويجري بفلسطين لن ينساه التاريخ…

لنقرأ بتمَعُّن وتأمُّل ما كتب جدعون ليفي ،الصهيوني اليساري:

يبدو أن الفلسطينيين طِينَتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليه الغانيات وبنات الهوى ،وقلنا ستمر بضع سنوات ،وسينسوْن وطنهم وأرضهم، وإذا بجِيلِهم الشاب يفجِّر انتفاضة ال 87..أدخلناهم السجون وقلنا سنُرَبِّيهِم في السجون.

بعد سنوات، وبعد أن ظننَّا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000 أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نُهَدِّم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة..وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثْخَنُوا فينا قتْلاً في الحرب الماضية.

حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي “عاموس” ويُدْخِلون الرعب إلى كل بيت  في إسرائيل ،عبر بث التهديد والوعيد ، كما حدث حين استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية ..

خلاصة القول، يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال .”

                             ++++++++++ 

يظهر أن الصهيوني اليساري جدعون ليفي  لا يعرف أن هؤلاء الفلسطينيين ، الذين قال أنهم “أصعب شعب عرفه التاريخ …”، هم الجبارون الفلسطينيون الكنعانيون الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم ـ سورة المائدة :

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22).

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button