
إسماعيل هموني
من يتأمل اليوم عيد الأضحى وطقوسه يجد مفارقات تصل حد المخالفة الصريحة والْبيِّنة لشعيرة العيد ، وما جاءت به وإليه كونها قربانا تعبُّدِيا و حظوة يسعى القائم بها إلى إهراق الدم تقرُّبا من الله.
العيد اليوم مجال خصب لتكاثر العديد من الممارسات التي باتت تثير الانتباه ؛ فقد غدا همّاً وأرَقا يُثقل كاهل الأسر المغربية الفقيرة أصلا؛ و تباهيا بين العائلات الميسورة التي لا تُعيره كثيرَ اهتمام كونها لا تعرف ،يقينا ،الغاية منه دينيا وشعائريا ؛ لا تكترث له سوى أنه يوم تهرق فيه دماء أضاحي من عينة خاصة وغالية الثمن ؛ وبعضهم تصله تلك الأضاحي هدية أو مَكْرُمة من جهات عليا.

اللافت للنظر أن العيد تحوَّل، بصيرورات اجتماعية و ثقافية، إلى عمليات تُدر أرباحا على ملاك كبار ، وتفتح ديونا جديدة ، وملفات اقتراض عند الأبناك ؛ بل إن هذه المؤسسات تسرع في تقديم وصلات إشهارية تشجع على الاقتراض من أجل الاحتفال بلحم العيد لا بفرحته.
أضحى العيد لعبة تستهوي اللاهثين عن الربح ؛ وهو فرصة كبرى لمن يتصيّد مثل هذه الفرص من وسطاء ؛ ومؤسسات مالية سعيا منهم في اقتناص كل فرصة مُدِرَّة للربح ولو خالف هذا المنحى أصالة الشرع الإسلامي ؛ و حوّل نكهة العيد إلى غُصَّة قاتلة.
كان العيد ، فى زمن مضى،تعيد إليه ذاكرة الطفل التي تسكنني في سبعينيات القرن الماضي ، شساعة للفرح بكل ما فيه من طمأنينة و هدوء و نبل أخلاق..
لم نكن نملك ثلاجة حينها لأن قريتنا لم تكن مكهربة ، وما كانت أمهاتنا يسعين لتخزبن اللحم أو تشميعه ؛ كنت أرى والدي ،رحمه الله تعالى ، حين يعود من صلاة العيد ، وهو في تمام إيمانه بأنه يؤدي شعيرة إبراهيمية ، يقبل أضحية القبلة و ويسمِّي ويكبّر ويدعو قائلا : اللهم تقبل عني هذا وعن أهل بيتي؛ ويذكي أضحيته في انشراح باد على محيّاه ؛ وبعدما يفرغ من السلخ ومستلزماته ، ونحن نتابع كل عملياته ليعلمنا وينقل إلينا موروثه الإيماني ، نتحلق في فرح عائلي لا ننسى احدا بتوصية منه رحمه الله.
وما أن يحل اليوم التالي حتى يعلن الوالد نداءه للجيران و الأقربين لوليمة الغذاء تاركا من لحم الأضحية كتفا يكلفني بتوصيلة إلى من يحتاجه .. وهكذا يتم الاحتفاء بالعيد لا بلحمه إذ ينتهي اللحم أو بقي منه يوم ثالث أيام التشريق ، فيستمر الدعاء والتهليل والتكبير عقب كل صلاة ؛ وينتهي أيضا مغرب ثالث يوم من أيام العيد ، وقد طفح بيتنا بالأهل والأقارب والأصدقاء وأبناء العمومة من القبيلة وغيرهم .
ويمر العيد ولم يخلّف ديونا ولاجروحا ؛ بل تم فيه إقبار الذنوب ، والاغتسال من الشحناء؛ وتهاوت القلوب تقبل الرؤوس ؛ و تصافح الأيدي و تعانق الأبدان والأحضان.
لقائل أن يقول : كفى نوستالجيا. نحن أبناء يوم مختلف ؛ وفي زمن يختلف بِاطِّراد، لكني أجد ان العيد فقد الكثير من معالمه وأضحى أسير تحوُّلات عميقة أفرغته من بُعده الإيماني والتضامني ؛ وغدا احبولة في يد النصابين ، ووقتا إضافيا لأهل الجشع والاحتيال خاصة للمسافر الذي يروم الذهاب إلى بلدته أو أهله للاستمتاع بالعيد ليجد أن التعريفة مضاعفة ، وأن المقاعد مهرَّبة خارج محطات السفر ، ليغيش محنة ما كانت في الحسبان إن لم يقع ضحية نصب تسلبه وجهة سفره.
هذه تأملات ذبيح مؤلمة لكنها من واقعنا المرير..فهل نعتبر ونعيد إلينا عيدنا شعيرة إيمانية وليس نزوة عابرة ومكلفة…؟