سياسية

زين الدين زيدان الفرنسي … زين الدين زيدان الجزائري

حمادي الغاري

بقدر ما سارع نادي ريال مدريد إلى وضع اليد على الجُرْح ، وبالتالي وضْع حد للأزمة التي هزّت جذوره ، كما هزّت شعبيته ، بفعل النتائج السلبية، المتوالية والمتتابعة ، وعدم التردّد في الأخذ بالتغيير، بقدر ما كان النظام الجزائري يضع يده على الْعصا لِمَن عصى، متهدّدا ، متوَعِّدا بالويْل والثُّبُور كل من زاغ عن الطريق وانحرف عن الخط المرسوم.

مشهد من المظاهرات الاحتجاجية في الجزائر

نادي رياضي استوعب وتفهَّمَ الأزمة وشرع في معالجتها  بإزاحة المدير الفنّي  ل”الريال” ـ وما أدراك ما “الريال”ـ ، والاستعانة بزين الدين زيدان ،الفرنسي الجنسية ،الجزائري الأصل ، أملاً في الخروج من عُنق الزجاجة التي كادت تخنق الفريق الملكي.

زيدان الجزائري .. أم زيدان الفرنسي؟؟؟

ناس هناك يؤمنون بالتغيير: التغيير السَّلِس ،المرِن ،المُتَّزِن.. العاقل ، وفي المقابل ناس آخرون يُؤمِنون بالخلود وَ”بُّتْ هنا نُبَتْ” كما يقال ، حتى تأتي العاصفة فتهزُّهُم هزّاً ، وتَذَرُهُم قاعاً صَفْصَفاً ..

الرئيس بوضياف … المغدور

في اسبانيا ، أدرك مسؤولو نادي رياضي ـ له ميزانية تفوق ميزانيات العديد من الدول  الغارقة في أوحال التخلف ـ أنه حان الوقت للتغيير، فلم يتردّدوا لحظة في الأخذ به.

الرئيس بوتفليقة… الولاية الخامسة كانت وراء الاحتجاجات

في الجزائر، وأغلب بلدان العُرْبَان، لايؤمنون سوى بالخلود ؛ وكل من يتربّع على كرسي يتسمّر فيه إلى حدّ الإغماء وفقدان الوعي والذاكرة واللياقة البدنية والفكرية التي تسمح له، على الأقل، بالتحرّك ؛ويعضُّ بالنواجِذ .. ويُقْسم بأغلظ الأيمان ألاّ يغادر الكرسي إلا إلى القبر، وفي أسوأ الأحوال إلى  نهاية مأسوية كما حدث لعقيد الجماهيرية القذافي، ومُبارك مصر، وبنعلي تونس، وصالح اليمن ..وغيرهم..

الجنرال قايد…يقود الأحداث من وراء حجاب

حين غضب جمهور وأنصار “الريال” غضب المسؤولون عن “الريال”. نادت الجماهير بالتغيير ؛ وتجاوبَ المسؤولون مع التغيير. وحصل التفاعل والتناغم حول فكرة التغيير، فعُقِدت الاجتماعات الطارئة  لتدَارُكِ  الأمر ومعالجة الموقف، وتمت المناداة على ابن الدار لإنقاذ الدار، الفرنسي زين الدين زيدان.. وانتهى الموضوع.

في الجزائر، غضبَ الجزائريون منذ سنة 1962، تاريخ حصول البلاد على الاستقلال. ومذ ذلك الوقت وهم يعبّرون ، بشتّى الطرق ، عن رفضهم للنظام ؛ وفي كل مرة كان النظام يتمكن من قمع الانتفاضة .. وتشاء مشيئة الله ، وإرادة الشعب ، أن يكون ما يريد. فهبّت المظاهرات التي سخَّر النظام لمواجهتها أجهزة وعتادا أمنيا ـ ما ظهر منها وما خفي ـ حتى لا تتجاوز الخطوط الحمراء، أي المناداة بإسقاط النظام. وحصل ما لم يكن في حُسْبان أجهزة الأمن والعسكر، بآليات مخابراتها وعيونها وآذانها وأيديها…وكان الشعار الذي تردد في مختلف أنحاء الجزائر: الشعب يريد تغيير النظام؟ لم يعد يرفض ترشُّح الرئيس المنتهية ولايته لولاية رئاسية خامسة ، ولا رحيل بوتفليقة ، بل يرفض النظام بكامله، ورحيله: النظام العسكري الذي يحكم الجزائر منذ ستينيات القرن العشرين . وفي ذلك تنافست كل الجهات والولايات والأقاليم في البلاد تردد نفس الشعار..

إزاء هذا الغضب الهادر ، الذي كان يعتقد خبراء النظام ودُهَاتُه أن مظاهرات الاحتجاج ستبرد وتخف ثم تختفي بعد أيام ، لُوحِظ إقبال كبير ولافِت من طرف عائلات  سامي المسؤولين والموظفين الجزائريين على مطار هواري بومدين بالعاصمة ، من أجل مغادرة البلاد نحو الديارالأوربية ، بحْثاً عن الأمن والأمان الذي لم يعد في الجزائر ، تحسُّباً لوُقُوع الأسوأ.

المثير للتعجب والسخرية  أن الرئيس بوتفليقة الذي قيل أنه يستعد لتدشين المسجد الكبير، ثم تدشين مرافق جديدة في ميناء العاصمة ، والذي أُعْلِنَ قبل ذلك بأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ، لولاية خامسة ، رغم الداء والدواء.. والعجز وسُوء الكِبَر، كان قد غادر البلاد إلى جنيف السويسرية للعلاج.. ووسائل الصرف الإعلامي الرسمي تتحدث ، بدون انقطاع ولا ملل، عن الترشح ، وعن الولاية المقبلة  والانتخابات المقبلة ..وأن بوتفليقة هو الرئيس المنتظر للولاية المنتظرة ، ولا بديل له.. ولم  تلتفت إلى الاحتجاجات والمظاهرات التي كانت أقرب إليها من حبل الوريد ، وتمُور وتجُوب البلاد طُولاً وعرضا ، ولم تنقل صوتاً واحدا بُحَّ من كثرة الصياح والمطالبة بالتغيير..

في هذا الوقت كان دُهَاة النظام يعملون ليل نهار، وعلى مدار الساعة، من أجل التهييء لِما بعد بوتفليقة ، واستعراض الأسماء  و”البرُوفَايْلات” المقبولة ـ من طرف العسكر ـ  لقيادة المرحلة الانتقالية ؛ فَعَهْد بوتفليقة انتهى؛ وإلا بماذا يمكن ،فجأة ، تفسير سحب ترشيح بوتفليقة، ثم الإعلان عن تأجيل الانتخابات ، ثم الإخبار بعقد لقاءات الحوار الوطني.. وفي الكواليس لقاءات وأحاديث طويلة مملة عن الرجل الذي يتولى ـ ولو صُورِياً ـ قيادة البلاد إلى حين البحث عن الإسم المناسب.

أخشى أن يكون مصيره مصير الرئيس محمد بوضياف الذي نُودِيَ عليه ـ من المغرب ، وبالضبط من القنيطرة التي كان يقطنها منذ سنوات هو وأسرته مُعزَّزاً مُكَرَّماً محترَماً ـ  للإنقاذ ، فتعرض للاغتيال بطريقة بشعة ، وبالمباشر على الهواء، بينما كان المسكين يُلْقي خطابا في تجمّع ..

عُودٌ على بدْء: نادي الريال لكرة القدم اختار التغيير السلس، المَرِن.. لقيادة مساره.. باللجوء إلى الأسطورة الفرنسي زين الدين زيدان، فهل لدى الحاكمين في الجزائر زين الدين زيدان جزائري؟

كما في الكُرة..هناك أشواط إضافية مع وقت إضافي…وضربات الجزاء… في الجزائر.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button