أدبياتعالم حواءمقالات رأي

ستزهرين قريبا.. لما يكتمل النصاب!

هناء مهدي

حلّت الذكرى السنوية لعيد النساء، وآن أوان قطاف زهورٍ احمَرَّت وأيْنَعت. آن أوانُ الحصاد لزرعٍ أنبَتَتْه أناملُ أمهاتنا وأخواتنا ونسائنا المكافحات.. بعد عام من الجهد الجهيد ومن الْكَدِّ والتضحيات الجسام.. طاب لهن ان يشربن نخب “حريتهن”، ويحتفلن اليوم بعيدٍ ورديٍ سعيد.
لكن، وقبل كل حفل بهيج، ألا يجدر أن نحصي، أوَّلاً، سنابل القمح التي نضجت في زرعنا؟ ألا يجدر أن نقوم بعملية جرد للحقوق التي انتزعناها لِنُقيسها بحجم الخسائر؟ أليس حرياً بنا أن نتبيّن إنْ كنا فعلاً عبرنا إلى ضفة الخلاص، حيث الحرية والعدل والمساواة، أم لانزال نرتهن للفكر الماضوي، ونقبع في كهف أفلاطون المعتم الذي لايعكس لنا إلا ضلال الحقيقة؟ نحتفل بحريتنا والقيْد حاكِمُ معصمنا ناخِرُ جراحنا.. قيدٌ وضعنه جبرا في أيدينا وأمرننا أن نقيّد به النساء من حولنا، ونحكم بمنطقه على مَن خرجتْ سهْواً عن سِرْبِنا.

لم نعبر إلى ضفة الحرية بعد، فلا حلاوة لاحتفالنا ما لم تتساوى كفتَّيْ الميزان ، ما لم نحصل على الحقوق التي ناضلنا من أجلها، تلك المضمنة في دستور الأرض، هي حبر على ورق. وتلك المضمنة في دستور السماء، نؤمن ببعض منها ولا نلتمسه، ونكفر ببعض منها ليس يسير.
لاتزال المرأة ـ رغم لين عُودهاـ هي التي يعوج ظهرها بحمْلٍ ثقيل؛ هي التي حُكِم عليها بطاعة قوانين المجتمع وتنفيذ طلباته؛ هي التي تُلقى عليها المسؤوليات الجسام التي لاتنتهي؛ هي التي تُلاَم وتُحاسَب وتُعاقَب عن كل هفوة وتقصير؛ وهي أيضا راعية التقاليد المقدسة التي لم تُقس بميزان العقل ولا بميزان الشرائع والضمير، إنما وُزنت بأحكام الموروث السائد، بمقدسات مجتمعية مجَّدتها ورعَتها بإخلاص شديد. وزنت بها الصالحة من الطالحة، قاست بها لائحة الواجب والممنوع، وبها طبعت صكّ الشفاعة للسيد/الرجل، ووصمت المرأة التي قصرت، بأحكامها، ثم قذفتها بأبشع الوصمات الاجتماعية، وبالقوانين نفسها عاقبت الأنثى الآثمة، تلك التي “خُلقت من ضلع أعوج”، و”أخرجت آدم من الجنة”.

حقيق أن بضْعاً من نساءنا ناضلن من أجل انتزاع مفتاح قَيْدنا من يد الرجل، وأعطينه للعدالة، فصار لنا بعض الحقوق المنصفة، دوّنَت في الدستور.. وأصبح مفتاح طلاقنا (من أسْر زوج مستبد) ـ حسب “مدونة الأسرة”ـ بيد القضاء، بعد أن كان حكْراً على السيد/الرجل؛ لكن مفتاح طلاقنا من إكراهات المجتمع لا سبيل لتفاديها ما دمنا نحن النساء راعياتها وحارساتها الأمينات المخلصات.
لذلك لايكمل عيدنا إلا عندما يكتمل النِّصاب، عندما نحقق العدل الاجتماعي ونمتلك صكّ العبور إلى ضفة الحريات؛ عندما نحترم الاختلاف، ونقتلع جذور الأفكار النمطية القديمة، وكل أحكام القيمة التي أورثنا ميزانها الذهبي، أو عندما نلتمس العذر لأنثى قصَّرت، ولأنثى أخطأت، فنشفع لحواء هفوتها إسوة بآدم، أو عندما ننسى قانون الثنائيات التي حفظناه عن ظهر قلب: الرجال /العيالات؛ صالحة/طالحة؛ عروسة/عكوزة (عدوزة)؛ صغيرة/ شارفة؛ مزوجة/ بايرة.. ونشذِّب قاموس مفرداتنا الظالم: المطلَّقة، البَايْرَة، الشارفة، العدوزة او العكوزة، اللُّوسة سُوسة…

لنحتفل بعيدنا، بحرياتنا وانطلاقتنا، يجب أن نقطع مع ضلال الحقيقة التي نراها؛ مع التَّمثُّلات التي نحملها عن صورة النساء من حولنا، عن الحماة (العدوزة، العكوزة)؛ عن النْسِيبة (اللوسة السوسة)، عن الكنة… مع أن كل أنثى منا تحمل منذ نشأتها مشروع العروسة واللوسة والعكوزة.. (حمة، كنة، نسيبة وزوجة ابن، وزوجة أخ…).
كيف لنا أن نتحرر ونحن نستعبد المرأة من حولنا؟ نشحن قلوب أولادنا وإخوتنا ضد زوجاتهم، وقلوب أزواجنا ضد أمهاتهم، وأخواتهم.. ونشحن أيضا قلوب صغارنا ضد جدّاتهم وعمّاتهم. نعتدي على المرأة وهي أخت زوجنا، نعتدي عليها وهي أمه فنبعده عن حضنها، ونعتدي عليها وهي زوجته، نذيقها وبال نقدنا وملاحظاتنا.. وإذا ولجنا بيتها نكون عليها وبالا ثقالا، همُّنا الأكل الرفيع والراحة والاستمتاع على حساب راحتها، وبعدما نشبع رغباتنا وفضولنا؛ نلتذ بِنَهْش لحمها وكشْف سوْءَتها، بينما نلتمس الأعذار لبناتنا عن كل خطإ صدر منهن او تقصير، و نشمِّر على سواعدنا لمؤازرتهن ومساعدتهن.
نظلمها.. كلما قلنا لها بكل وقاحة: “جينا لدار ولدنا”، أو “جينا لدار خونا”.. وكان من اللائق أن نعبر لها عن اشتياقنا وحبنا، فالدار  دارها، ونحن ولجنا مملكتها، يؤكد تملكلها ذاك خطاب الله تعالى للأزواج: “لاتخرجوهن من بيوتهن”. ثم لنعذبها نُشْعرها أنها خادمتنا المطيعة، تلبي طلبات فرضتها تقاليد بالية وهي مأمورة بتنفيذها، ثم تستحيل أعيننا في بيتها إلى كاميرات رقيبة كاشفة لحركاتها فنفضح أسرارها ونفشي أخبارها..

نشحن عليها زوجها، فنحصد بذلك استياءه أولا، ثم كرهها وكره أحفادنا أوأبناء إخوتنا. ..هي فتنةٌ نزرعها دون أن نشعر، تكون وبالاً علينا بعد حين.
لكي نتحرر، يجب أن نقطع مع أنانيتنا، مع سلوكيات تكيل بالمكيالين، الأنثى التي أخطأت لم لانجعلها في مقام أختنا  أو ابنتنا أو أمنا؟ الحماة هي أنا لما أزوج ابني، فلم اسقي حينها زوجته حرٍّ ما سقيت منه؟ زوجة أخي لها عيوب كعيوبي فستر عيوبها من ستر عيوبي، فلم أفضحها او أشكوها لأخي؟ فأجعله يعيش الْبَيْنَ بين، (بين أخته وبين زوجته).
لنتحرر كذلك من المسميات القديمة: نحن نساء ولسنا العيالات؛ نحن حماوات ولسنا العدوزات أو العكوزات؛ نحن نسيبات ولسنا اللوسات؛ نحن لم نتزوج ولسنا البائرات؛ نحن تحررن من قيد زوج ولسنا المطلقات.
كفاك من هذه الوصمات المقيتة التي تصيبي بها غيرك فتنتقص من وصفك أيتها الانثى.
                     *****
مفتاح قيْدنا ليس في يد الرجال، ولا في يد مدونة الأحوال، إن قيدنا بيدنا نحن  النساء، لا سبيل لتحررنا مادمنا لم نرم بعد أقفالا كبَّلَتْنا، فكبّلنا بها غيرنا من نساء ضعيفات، لن نتحرر ماظللنا نسقي لغيرنا سمّاً زعافا به سقينا، و”ياما” منه اشتكينا!
لِنرمِ بعيدا قاموس الثنائيات، وكل التقاليد الغاصبة لبناتنا.. لنضع عنا شرنقاتنا ونرفرف طليقات كالفراشات. لنجمل قلوبنا بالحب والتسامح، ونقرأ للكون آيات السلام..

كل عام وأنتن بخير.. وسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى